ترك برس

أكد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، أن أحزاب المعارضة التركية التي كانت تأمل في الحصول على مكاسب سياسية من العداء للاجئين السوريين فقدت أرضيتها تمامًا في هذه الأيام، فقد قضت الثورة السورية على كافة مصادر دخلهم.

ولفت أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق إلى أن وجود السوريين في تركيا كان يمثل فرصة كبيرة لهؤلاء الانتهازيين العنصريين، لدرجة أن بعض هؤلاء بدأوا في الظهور الآن ليقولوا: "لم نكن يومًا ضد السوريين" ليبدؤوا في فتح مناورات جديدة تتناسب مع الوضع الجديد.

وقال: "هذا لا يجب أن يفاجئنا. تمامًا كما لا ينبغي أن نتفاجأ بتصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، أثناء زيارته لمناطق الزلزال حين قال: "لم نكن يومًا ضد اللاجئين" كم هو واثق من ذاكرة الناس التي تعاني من النسيان. ومن قبل، أطلق سلفه مزحة مماثلة بقوله "لم نكن يومًا ضد الحجاب".

وفيما يلي نص المقال:

بعد انتهاء 61 عاما من الظلم والاستبداد الذي مارسه نظام البعث في سوريا، ذلك النظام الذي تأسس على معاداة شعبه، وتجاهل قيمه ومعتقداته وتطلعاته، ظهرت في سوريا بدءاً من 8 ديسمبر حالة غير مسبوقة من الارتياح، مصحوبة بتوقعات قوية بتحقيق الأمن والاستقرار. وقد لمستُ هذه المشاعر بشكل واضح خلال زيارتي إلى سوريا، وكذلك من خلال اللقاءات التي أجريتها مع عدد كبير من السوريين المقيمين في تركيا، حيث بدا جليا أن هذه التطلعات تحظى بقبول واسع بين مختلف شرائح المجتمع.

يؤمن السوريون بشدة بأن الإدارة الجديدة هي انعكاس حقيقي لإرادتهم. وحتى اللحظة لم يُلاحظ أي بيان أو ممارسة سياسية، ولو بشكل ضمني، تهدف إلى إقصاء أي فئة من المجتمع. بل إن الأمر يتجاوز ذلك، إذ لم تُظهر الإدارة الجديدة أي نية أو رغبة في استبعاد الطائفة العلوية، التي كان النظام السابق يتخذها كقاعدة اجتماعية له.

إن مجرد كفاح النظام الجديد في سوريا ضد شبكات المخدرات هذه، يجعل من سوريا بلدًا واعدًا. وتمتلك سوريا في الأساس إمكانيات تنمية كبيرة للغاية بفضل أبعادها التاريخية والثقافية والجيوسياسية ورأس المال البشري القوي للغاية. ويمكننا القول لو لم يتعرض هذا البلد للقمع والضغوط طوال القرن الماضي، لأمكن أن يخرج منه نموذج قوي للغاية يقود العالم في كل مجال. صحيح أن هذا الوضع ينطبق على العديد من البلدان الإسلامية أيضًا، ولكنه ينطبق على سوريا بشكل أكبر. لذلك، فإن سوريا التي تحرر شعبها تعد بمستقبل مشرق للغاية، خاصة وأن هذا الشعب الحر قد نال حريته من خلال مقاومة أشرس استبداد يمكن أن تشهده البشرية لمدة 61 عامًا، فضلاً عن أن جزءًا كبيرًا من هذا الشعب قد انتشر في جميع أنحاء العالم كمهاجرين خلال هذه المقاومة، واكتسب آفاقًا وتجارب وثقافات وشجاعة وريادة في الأعمال ستمكنه من المشاركة في إعادة إعمار وطنه.

والآن بدأت الغالبية العظمى من السوريين المنتشرين في تركيا أو في أنحاء العالم ينتظرون الفرصة المناسبة للعودة إلى وطنهم. ولم يعد هدفهم فقط الخلاص من وضعهم الصعب كلاجئين، بل يحملون في قلوبهم شغفًا وحماسة للإسهام في بناء وطنهم. جميع السوريين الذين التقيت بهم يعتزمون نقل تجاربهم التي اكتسبوها والنظم التي أنشؤوها في هذه الدول إلى سوريا للمساهمة في إعادة إعمارها. والأمر ذاته ينطبق على السوريين في ألمانيا وأوروبا. هناك مساحة واضحة لبناء مستقبل مشترك في سوريا، وهذا يعد بأمل كبير في ولادة مجتمع جديد، ودولة جديدة، وحتى حضارة جديدة.

ومع تزايد احتمالية عودة السوريين إلى وطنهم، بدأ الاهتمام ينصب بشكل متزايد ـ وخاصة في الدول الأوروبية ـ على الأدوار التي يلعبها السوريون في الاقتصاد والمجتمع، والفجوات التي ستنشأ في حال مغادرتهم. لقد استقبلت ألمانيا عددًا كبيرًا من السوريين، بما في ذلك العديد من الأطباء والمهنيين العاملين في قطاعات هامة، ولا يمكن الاستهانة أبدا بالمشاكل التي ستنشأ في حال عودتهم إلى بلادهم. والأمر نفسه ينطبق على تركيا، أليس كذلك؟ فقد بدأ العديد من أصحاب الأعمال، وخاصة في قطاعات النسيج والصناعة والزراعة، يعبرون عن قلقهم من أن عودة السوريين ستسبب فجوات كبيرة تؤثر سلبًا على العديد من القطاعات.

والأوساط التي كانت تأمل في الحصول على مكاسب سياسية من العداء لسوريا فقدت أرضيتها تمامًا في هذه الأيام. فقد قضت الثورة السورية على كافة مصادر دخلهم. وكان وجود السوريين يمثل فرصة كبيرة لهؤلاء الانتهازيين العنصريين. لدرجة أن بعض هؤلاء بدأوا في الظهور الآن ليقولوا: "لم نكن يومًا ضد السوريين" ليبدؤوا في فتح مناورات جديدة تتناسب مع الوضع الجديد، وهذا لا يجب أن يفاجئنا. تمامًا كما لا ينبغي أن نتفاجأ بتصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، أثناء زيارته لمناطق الزلزال حين قال: "لم نكن يومًا ضد اللاجئين" كم هو واثق من ذاكرة الناس التي تعاني من النسيان. ومن قبل، أطلق سلفه مزحة مماثلة بقوله "لم نكن يومًا ضد الحجاب".

ويتوقع حزب الشعب الجمهوري منا أن ننسى كيف كان يحرض على الكراهية ضد السوريين بطريقة فاشية عنصرية، حتى قبل أن يكون هناك أي قلق شعبي تجاه السوريين. ولا يزال صدى الدعوات العلنية لعودة السوريين خلال الحملات الانتخابية يرن في آذاننا. ولا ننسى لافتاتهم التي كتب عليها "السوريون سيرحلون"، فهل يجب أن نأخذ تصريحهم اليوم بأنهم لم يكونوا يومًا ضد السوريين بحسن نية؟ وماذا عن ممارسات التمييز غير القانونية التي كانت تقوم بها بلديات بولو وأفيون والتي هي أشبه بممارسات النازيين؟

ويتابع أوزيل: "لكننا كنا ضد السياسات والسياسيين الذين ينتجون اللاجئين." يعني أنه سيقدم أعذارًا ومبررات للذين لن ينسوا موقفه الفاشي هذا، متمثلة في السياسات التي تخلق اللاجئين. حسنًا من الذي أنتج هذه السياسات؟ هل تركيا هي من فعلت ذلك؟ هل تركيا هي من قصفتهم بالقنابل ودفعت ملايين الناس إلى حدودها؟

وهذه طبعاً وسيلة أخرى يلجأ إليها أولئك الذين لا يستطيعون تبرير دفاعهم عن الأسد الذي انكشفت جرائمه وفظائعه. لماذا تتبع تركيا سياسة تنتج لاجئين؟ أي فائدة كانت ترجوها من ذلك؟ إن سياسات إنتاج اللاجئين تعني أن الأسد الذي قتل 1-2 مليون من شعبه من خلال قصفهم أو تعذيبهم في السجون وهجّر 12 مليون إنسان، لم يكن له أي ذنب في ذلك. سياساته هذه ليست من أنتج اللاجئين، ولكن فتح الأبواب أمام "الناس" الذين فروا من قنابله هو سياسة إنتاج اللاجئين، أليس كذلك؟

ولم يتوقف أوزيل عند هذا الحد، بل أضاف أيضًا: "هناك حاجة في سوريا إلى حكومة انتقالية شاملة تمثل الأكراد والعرب والتركمان وغير المسلمين على حد سواء، ثم العمل على الدستور، وإجراء انتخابات حرة، وتحقيق الاستقرار. كل يوم يمر دون تحقيق ذلك، يعرض حياة مواطنينا العرب العلويين في هاتاي وأقاربهم في تلك المنطقة للخطر والقلق."

على المرء أن يشعر بالخجل وهو يقول هذا. لقد قلنا مرارا وتكرارا لسنوات إن ظلم نظام الأسد في سوريا لم يميز بين علوي وسني. وثورة اليوم لا تميز بين العلويين والسنة، ولكن "عداء السوريين" الذي يمثله حزب الشعب الجمهوري حتى الآن لا يظهر إلا طائفية متعصبة ضد حماية هؤلاء الناس الذين قُتلوا وهُجّروا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!