ترك برس
عقب تولي حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم في تركيا؛ أعلن عن رؤية استراتيجية يبغي تحقيقها من خلال فترة حكمه وهي "رؤية 2023 دولة قوية، شعب قوي". وبعد إعلان رؤيته سعى بقوة لتحقيقها، عند إعلان حزب العدالة والتنمية لهذه الرؤية كان على دراية تامة بأنه لا يمكن لأي أمة أن تصبح قوية في جميع المجالات إلا من خلال سلوك سياسة اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، فكرية، إنسانية، تاريخية، حضارية انفتاحية.
وهذا ماقامت به حكومة العدالة والتنمية إذ خطت الكثير من السياسات الاقتصادية الانفتاحية من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع جميع الدول دون استثناء وأرست الكثير من السياسات والأنشطة الثقافية والفكرية من خلال عقد الكثير من المهرجانات الثقافية الخاصة باللغة والثقافة التركية في الدول الأخرى ومن خلال إحضار آلاف الطلاب الأجانب لتركيا وتوفير لهم مقاعد الدراسة والخدمات المعيشية وغيرها الكثير من أساليب القوة الناعمة التي استعملتها حكومة حزب العدالة والتنمية لتجعل تركيا من دولة فرعية إلى دولة قوية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وبالفعل بعد هذه السياسات تحولت تركيا من دولة غير مذكورة إلى دولة قوية إقليميًا تعتمد عليها الدول المجاورة والدول البعيدة سياسيًا ودولة تمتلك العديد من الاتفاقيات والصناعات الاقتصادية القوية ودولة لها تأثير ثقافي واجتماعي قوى على العديد من شعوب الدول الأخرى.
وبعد تولى أحمد داود أوغلو "صاحب التحول الاستراتيجي الخاص بتركيا" زادت مساحة ونوعية السياسة الانفتاحية التركية لتشمل عدة مجالات أخرى فعلى سبيل المثال أصبحت تركيا تلعب دور الوسيط الدبلوماسي القوي من خلال التوسط بين عدة دول في المنطقة لتحقيق السلام بينهما مثل توسطها بين سوريا وإسرائيل عام 2010 لإرساء السلام بينهما.
وبعد عام 2011، أي بعد انطلاق الثورات العربية وانتشار الفوضى الدموية في منطقة الشرق الأوسط فقدت تركيا 40 % من نسبة أسواقها المستهلكة وكما أنها فقدت الكثير من الكتل الشعبية التي كانت تسيطر عليها سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا، الأمر الذي جعلها تنظر لإيجاد كتل شعبية جديدة بديلة لتعويض خسائرها الاقتصادية وخسائرها الثقافية والاجتماعية والفكرية التأثيرية، ولتعويض ذلك كان الهدف لتركيا هي قارة أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وفي ظل هذه السياسة الخارجية البديلة، التي سلكتها تركيا بعد فقدانها لسوقها وكتلها الشعبية في منطقة الشرق الأوسط، تناول الباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والثقافية "سيتا" والمتخصص بمجال السياسة التركية الخارجية محمد أوزكان موضوع انفتاح تركيا على قارة أفريقيا وخاصة الصومال تحت عنوان "الجيوسياسة الخاصة بشرق أفريقيا وسياسة تركيا تجاه الصومال".
في بداية تحليله البحثي يبين أوزكان أن "تقارب تركيا من الصومال بشكل ملحوظ يُعد أحد أهم الأمثلة الملموسة الخاصة بانفتاح تركيا على افريقيا، وأصبح تقارب تركيا من الصومال على جميع المستويات بمثابة اختبار لتركيا في انفتاحها على الصومال، نتائج هذا الاختبار وردود فعله هي التي ستشكل أساليب وطرق سياسة الانفتاح التركية تجاه أفريقيا في الأيام المُقبلة، كما ستشكل هذه النتائج نظرة وجه الدول المجاورة للصومال لتركيا من خلال نجاحها أو فشلها في الوصول لعلاقات متبادلة ملموسة وملحوظة".
وحسب اعتقاد الباحث، فإن السياسة الانفتاحية الخاصة بتركيا تجاه الصومال تحتضن العديد من المبادئ المختلفة والمتنوعة؛ "أهم هذه المبادئ هو مبدأ التحدي التي سلكته تركيا من خلال محاولتها تأسيس قواعد سياسية واقتصادية وفكرية لها في جغرافيا تُعد مجهولة وبعيدة لتركيا، هذا المبدأ يصعب المهمة على تركيا ويجعلها تحتاج إلى تجهيزات وكوادر عمل قوية وذات رؤية استراتيجية".
ويذكر الباحث أن "السياسة الانفتاحية الخاصة بتركيا تجاه افريقيا جلبت أسلوبًا حديثًا خاصًا بأساليب السياسة الخارجية التركية وهو أن مؤسسات السياسة الخارجية التركية الرسمية أصبح تعمل بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بشكل متداخل وواسع وهذا يُشرك المجتمع بشكل مباشر بالسياسة الخارجية ويجعله أكثر وعيًا بالسياسة الخارجية وأهدافها".
ويؤكد أن "توحد الأحزاب السياسة التركية في موضوع السياسة الخارجية من الأمور النادرة في تركيا، ولكن جميع الأحزاب السياسية البرلمانية التركية توحدت على السياسة الخارجية المُطبقة مع الصومال خاصة كون هذه السياسة تحتضن بأحشائها جانب كبير من النحو الإنساني".
ويختم الباحث تقريره الموجز بتمنيه نجاح اختبار تركيا في سياستها المتبعة في الصومال التي تُمثل أولى بذور السياسة الانفتاحية لتركيا في أفريقيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!