
ترك برس
استعرض الكاتب والخبير التركي قدير أوستون، تحليلا لتوجهات السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد إعلانه الثاني من أبريل "يوم الخلاص"، حيث يسعى إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي من خلال فرض رسوم جمركية على أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
وفي تقرير بصحيفة يني شفق، سلط أوستون الضوء على الفروق بين نهج ترامب ونهج بايدن في التعامل مع التجارة الدولية، مع التركيز على تداعيات السياسات الحمائية على الاقتصاد الأمريكي، وحلفائه، والشركات متعددة الجنسيات.
كما تطرق الكاتب إلى مخاطر الحروب التجارية، وانعكاساتها على العولمة، والردود المحتملة من القوى الاقتصادية الكبرى حول العالم. وفيما يلي نص المقال:
أعلن ترامب يوم الثاني من أبريل "يوم الخلاص" لأمريكا. ومنذ توليه منصب الرئاسة، اتخذ ترامب خطوات تهدف إلى تغيير البنية الأساسية للتجارة الخارجية الأمريكية. ومن المتوقع أن تتضح ملامح سياسته التجارية يوم الأربعاء.
إذا ثبت أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على أهم شركاء أمريكا التجاريين مثل كندا والمكسيك والصين وأوروبا، ليس مجرد تكتيك تفاوضي بل استراتيجية حقيقية، فسنشهد دخول العالم في مرحلة يعاد فيها تشكيل الديناميكيات الأساسية للتجارة العالمية.
وقد كانت الولايات المتحدة حتى الآن أكبر مستفيد من تحرير التجارة العالمية، أما الآن، فإن عودتها إلى اقتصاد حمائي يقوم على إقامة جدران جمركية سيدفع دولًا أخرى إلى حماية اقتصاداتها بشكل أكبر. وستكون تكلفة "حروب ترامب التجارية"، التي ستضر بأمريكا وحلفائها على حد سواء، مرتفعة للغاية، لا سيما وأن الولايات المتحدة كانت هي الدولة التي استفادت أكثر من مكاسب التجارة العالمية.
هل ستدوم الحروب التجارية؟
إصرار ترامب، الذي جاء إلى السلطة بدعم من المتضررين من العولمة الاقتصادية، على فرض رسوم جمركية إضافية على الاستثمارات والمنتجات المستوردة، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى الكلفة التي سيخلفها هذا التحول الهيكلي.
وإذا أدى "يوم الخلاص" إلى انكماش اقتصادي وارتفاع التضخم وزيادة البطالة، فقد يضطر ترامب إلى إعادة النظر في هذه السياسات.
لكن في تلك المرحلة، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة العودة بسهولة إلى الاقتصاد العالمي.
أما حلفاء الولايات المتحدة، الذين كانوا ينتظرون بصبر انتهاء الولاية الأولى لترامب على أمل عودة الأمور إلى نصابها، فقد باتوا الآن أكثر وعيًا بأن هذه الحروب التجارية قد تصبح سياسة أمريكية دائمة.
كانت الأوساط المالية التي دعمت ترامب تأمل، كما في ولايته الأولى، في تخفيف القيود التنظيمية وتخفيض الضرائب. وفي فترته الأولى، أعاد ترامب التفاوض على اتفاقيات تجارة حرة مثل "نافتا"، مكتفيًا بتغييرات طفيفة نسبيًا. كما فرض أقوى ضغوطه الاقتصادية على الصين، لكنه كان يهدف إلى التوصل إلى اتفاق تجاري نهائي أكثر فائدة للولايات المتحدة.
مع أوروبا، فرض ترامب بعض الرسوم الإضافية لكنه لم يمس جوهر العلاقة التجارية العالمية. بعبارة أخرى، لم يتخذ خطوات لتغيير النظام التجاري العالمي بشكل جذري خلال فترته الأولى.
الفرق بين بايدن وترامب
استمرّت إدارة بايدن في اتباع السياسات الحمائية ضد الصين التي بدأها ترامب في عدة جوانب. فقد أبقت على الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها ترامب، بل وفرضت قيودًا جديدة، مثل حظر تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين في إطار منافسة التكنولوجيا المتقدمة، وسعت إلى تقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين.
إلا أن بايدن، بخلاف ترامب، لم يركز على إعادة الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة فقط، بل عمل على نقل سلاسل الإنتاج إلى دول حليفة.
وقد استخدم الحوافز الضريبية لتحقيق ذلك، دون أن يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح عقابي ضد الحلفاء.
في المقابل، يريد ترامب توسيع نطاق الحرب التجارية ليشمل جميع الدول التي تفرض رسومًا جمركية على المنتجات الأمريكية، وليس فقط الصين.
تؤمن إدارة بايدن بأن استمرار القيادة العالمية الأمريكية ممكن فقط من خلال تقوية التحالفات الدولية، وشكلت سياستها التجارية بناءً على هذه القناعة. كان هدف بايدن مواجهة الصين من خلال تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة وحلفائها معًا، والعمل على إعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية بما يخدم المصالح الأمريكية.
أما ترامب، فيرى أن النظام التجاري العالمي الحالي يضر بمصالح الولايات المتحدة، ويعتقد أنه ينبغي تغييره بشكل جذري. ولهذا، فإنه لا يميز كثيرًا بين خصوم أمريكا التقليديين كالصين وروسيا، وبين حلفائها التقليديين ككندا والمكسيك وأوروبا، في التعاملات التجارية الثنائية.
من أين تستمد أمريكا قوتها الاقتصادية؟
عند البحث عن مصدر قوة الاقتصاد الأمريكي، يمكننا ذكر عوامل متعددة تتراوح بين الابتكار والسياسات الضريبية والموارد البشرية وصولًا إلى القوة العسكرية. ومع ذلك، أرى أن تحول الولايات المتحدة خلال الثلاثين عامًا الماضية إلى الاقتصاد الأكثر اندماجًا مع الاقتصاد العالمي يعد من أهم هذه العوامل.
لقد كافأت العولمة، التي تسارعت بوتيرة مذهلة مع ثورة الإنترنت، الاقتصاد الأمريكي أكثر من أي اقتصاد آخر، باعتباره رائد هذا التحول. غير أن عدم معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن رحيل البنية التحتية الصناعية وفرص العمل من أمريكا أدى على المدى الطويل إلى تصاعد التيار الحمائي في التجارة، الذي يمثله ترامب. وبينما واصلت الشركات الكبرى تحقيق الأرباح، عانت الطبقات الدنيا من التراجع، مما أدى إلى تنامي ردود الفعل المناهضة للعولمة الاقتصادية.
لرؤية مدى اندماج الاقتصاد الأمريكي مع الاقتصاد العالمي، يكفي النظر إلى عائدات كبرى الشركات الأمريكية. فنلاحظ أن معظم إيرادات عمالقة التكنولوجيا تأتي من خارج الولايات المتحدة. على سبيل المثال، من بين صافي مبيعات شركة آبل لعام 2024، البالغ 391 مليار دولار، جاء فقط 167 مليار دولار (بنسبة 42.7٪) من السوق الأمريكية.
أما إيرادات غوغل داخل الولايات المتحدة في نفس العام، فقد بلغت 49٪.
وبالنسبة للشركات المدرجة ضمن مؤشر S&P 500 في البورصة الأمريكية، فقد حققت مجتمعة إيرادات قدرها 17 تريليون دولار في عام 2024، منها 7 تريليونات دولار (بنسبة 41٪) جاءت من المبيعات الخارجية.
وبالتالي، فإن الردود الانتقامية من الدول الأخرى على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب ستجعل الحفاظ على هذه المستويات من العائدات أكثر صعوبة.
إن السياسات الحمائية التي يريد ترامب اتباعها لن تؤثر فقط على التجارة الدولية، بل ستجعل أيضًا الاستثمارات الخارجية للشركات الأمريكية أكثر تكلفة، مما سيؤثر سلبًا على القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.
وفي محاولة لإعادة الوظائف والبنية التحتية الصناعية إلى البلاد، اختار ترامب اللجوء إلى أدوات عقابية مثل الرسوم الجمركية بدلًا من تقديم الحوافز الاقتصادية، مما يزيد من احتمالية ارتفاع التكاليف. وإذا أدت هذه التكاليف إلى انتقال عبئها إلى المستهلكين عبر ارتفاع الأسعار وانخفاض جودة المنتجات، فإن ترامب قد لا يحقق النتائج السياسية التي يطمح إليها.
رغم أن ترامب يدعي أن التحول الاقتصادي المنشود وفقًا لمبدأ "أمريكا أولًا" سيكون مؤلمًا على المدى القصير لكنه مفيد لمصالح أمريكا على المدى المتوسط والطويل، فإن إعلانه عن الثاني من أبريل "يوم الخلاص" يعكس إدراكه أن الكلفة الاقتصادية للسياسات الحمائية ستكون مرتفعة للغاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!