ترك برس

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، تصاعد التوتر بين إسرائيل وتركيا في سياق الملف السوري، في ظل مساعي إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة من خلال تصعيد عسكري ورسائل إعلامية تهدف إلى تقويض النفوذ التركي في سوريا.

وكشف الكاتب في التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق عن خلفيات الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، ومحاولات تل أبيب دفع واشنطن إلى تبنّي رؤيتها لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.

ويبرز التقرير موقف تركيا الرافض لأي خطة تقوض وحدة الأراضي السورية، مؤكدًا أن أنقرة تتحرك وفق القانون الدولي وتسعى للتعاون مع دمشق لمحاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار.

وفيما يلي نص التقرير:

كنتُ من أوائل الصحفيين الذين سلطوا الضوء على التوتر المتصاعد بين تركيا وإسرائيل بشأن الملف السوري. وكان عنوان مقالي الأخير: "نتنياهو يخطط لاستفزازات جديدة" (بتاريخ 25 مارس). وبعد نشر ذلك المقال بأيام قليلة، شنّت إسرائيل هجمات على قواعد في سوريا.

وتحرص الإدارة الإسرائيلية على تصوير هذه الضربات كرسالة موجهة إلى أنقرة. وإذا ألقينا نظرة على ما تنقله وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن مضمون الرسالة هو: "إذا اقتربتم من حدودنا، سنخوض الحرب". ولكن، هل هذا هو الواقع حقًا؟

وتشير التطورات وراء الكواليس إلى عكس ذلك. فتل أبيب لم تحصل حتى الآن على ما تريده من واشنطن بخصوص الملف السوري. أما تركيا، فليست دولة ترضخ للتهديدات. ولهذا، تعمل إسرائيل على تصعيد التوتر عمدًا. وهدفها الأساسي هو لفت انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى القضية، والسعي للوصول إلى نقطة اتفاق مع أنقرة. وسأوضح ذلك، ولكن دعونا أولًا نرسم الإطار العام للمشهد.

تهديدات إسرائيل الوهمية

أولًا: لا وجود لقوة مطلقة تتحكم في العلاقات الدولية. فمسار التطورات تحدده في الغالب قدرات الأطراف الفاعلة، والوقائع الميدانية، والظروف السياسية الآنية.

ثانيًا: ما يحدث في سوريا هو صراع بين رؤيتين متناقضتين تمامًا؛ فمن جهة، هناك إسرائيل التي تتغذى على الفوضى، ومن الجهة الأخرى، تركيا التي تدافع عن وحدة الأراضي السورية وسيادتها.

ثالثًا: تتمثل سياسة إسرائيل تجاه سوريا في مبدأ تقسيمها إلى أربعة كانتونات. فقد كانت على اتصال وثيق بـ "قسد" وسعت إلى تحريض الطائفة الدرزية، وهي تعارض بوضوح أي قوة قادرة على الحفاظ على وحدة سوريا.

رابعًا: سيؤثر موقف الرئيس الأمريكي ترامب على مسار التطورات. لذلك تمارس إسرائيل ضغوطًا كبيرة على واشنطن. لقد سعوا إلى منع اجتماع أردوغان وترامب، راجع مقال "إسرائيل تسعى لتأخير اللقاء بين ترامب وأردوغان" 18 مارس/آذار. وتوجه إسرائيل رسائل إلى واشنطن مفادها: "يجب منع تركيا من اكتساب نفوذ في سوريا".

خامسا: تخوض إسرائيل حربًا نفسية منظمة. فقد وجهت تعليمات للصحفيين الإسرائيليين بنشر تقارير تفيد بأن "الصدام مع تركيا بات أمرًا لا مفر منه" –وقد أورد الإعلام الإسرائيلي هذا الأمر بشكل صريح. والهدف من ذلك هو خلق مناخ من القلق والتوتر وإشاعة احتمال المواجهة بغرض تشكيل ضغط سياسي ونفسي. وفي الوقت ذاته، تسعى تل أبيب إلى اختلاق تهديدات وهمية بهدف إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث يزعمون أن محور تركيا السني سيحل محل محور إيران الشيعي.

لم يتمكنوا من حمل ترامب على قول ذلك

بالنسبة لإسرائيل، فإن الخلاصة من الوقائع المذكورة هي التالي: قسد والطائفة الدرزية لا يسلكان المسار الذي تريده تل أبيب. وتركيا لا تتراجع عن مواقفها. وشرعية النظام السوري تزداد قبولًا دوليًا. والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة لا تتبنى الطرح الإسرائيلي تجاه سوريا.

لم تتمكن إسرائيل من عرقلة اللقاء بين أردوغان وترامب. وقد صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال لقائه بنظيره التركي هاكان فيدان، قائلاً: "نرغب في التعاون مع تركيا بخصوص سوريا وملفات أخرى" (بتاريخ 27 مارس). وهذه تطوّر جديد أيضًا، إذ بات ترامب عند الحديث عن سوريا، يركّز دائمًا على تركيا. لقد حاول البعض إدراج اسم "إسرائيل" ضمن الخطاب الرسمي لترامب، إلا أنه لم يأتِ على ذكرها.

القصف بدأ بعد ذلك الاتصال

بدأت إسرائيل في لعب أوراقها بشكل علني عقب الاتصال الهاتفي بين أردوغان وترامب. فقصفت مواقع عسكرية زعمت أنها مقرّ لإنشاء قواعد تركية. وكان الهدف واضحًا؛ رفع درجة التصعيد لجذب انتباه ترامب.

وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التوجه إلى الولايات المتحدة. ووفقًا لما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنه سيقدم لترامب مقترحا يهدّئ هواجس إسرائيل بشأن سوريا، ويقبل في الوقت نفسه بالوجود التركي هناك. وفي تقرير للصحفي رون بن يشاي بتاريخ 6 أبريل، ورد ما يلي: "إسرائيل تقترح تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ". والتوزيع الذي تعرضه إسرائيل لتركيا هو كالآتي: الشرق تحت سيطرة الولايات المتحدة، والساحل الغربي لروسيا، والشمال لتركيا، أما الجنوب والشرق فتحتفظ بهما إسرائيل.

وهذا الطرح يُعد استمرارًا لمخطط "تقسيم سوريا إلى أربعة كانتونات". وأي خطة من شأنها تمزيق وحدة الأراضي السورية مرفوضة تمامًا بالنسبة لتركيا. كما أن الجهة المخوّلة باتخاذ القرار بشأن مستقبل سوريا هي الدولة السورية نفسها. ويعكس تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان هذا الموقف، حيث قال: "لا نرغب في رؤية أي صراع مع إسرائيل في سوريا، فسوريا ملك للسوريين."

وبالنظر إلى أن ترامب يسعى للانسحاب من سوريا في أقرب وقت ممكن، فمن المستبعد أن يتعامل بإيجابية مع هذا المقترح الإسرائيلي. في المقابل، فإن احتمال اقتراح الولايات المتحدة لآلية جديدة لخفض التوتر في سوريا لا يزال قائمًا.

وماذا عن موقف تركيا؟

لا تستهدف أي من أنشطة أنقرة في سوريا طرفا ثالثا. وترغب أنقرة في تعزيز قدرة دمشق على مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. وهناك حوار وثيق مع دمشق. وفي الأسبوع القادم سيزور الرئيس السوري أحمد الشرع تركيا، كما سيزور الإمارات العربية المتحدة أيضًا، وهي دولة ذات علاقات وثيقة مع إسرائيل.

وفي حال قيام الحكومة السورية بتوجيه دعوة رسمية إلى تركيا وطلبها الحصول على دعم في مجال التدريب العسكري، فإن أنقرة لن ترفض ذلك. ووفقًا للقانون الدولي، لا يحق لأي طرف الاعتراض على هذا التعاون. وإذا رغبت دمشق فيمكن إنشاء قواعد تدريب برية وجوية وبحرية في سوريا يتم فيها تدريب الجيش السوري. ومن خلال هذه القواعد، يمكن أيضًا مواصلة محاربة تنظيم داعش.

ولكن ما موقف إسرائيل من هذا؟ إنها تعارض هذا الأمر، إلا أن الإجراءات المعتمدة واضحة؛ عندما يتمركز الجيش التركي في أي منطقة، تُبلّغ كل الأطراف بموقعه رسميًا، ومن تلك اللحظة، لا يُسمح لأحد بالقيام بأي تحرك في تلك المنطقة. وإذا حصل ذلك، فإنه يُعدّ سببًا للحرب. ولا أعتقد أن هناك من يرغب في خوض حرب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!