ترك برس

استعرض الكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، تحليلا للتصعيد المتجدد بين الهند وباكستان على خلفية النزاع المزمن حول إقليم كشمير، في ظل اشتباكات دموية واتهامات متبادلة بعد هجوم مسلح استهدف مدنيين. 

وفي مقال بصحيفة القدس العربي، سلّط قشلاقجي الضوء على الأبعاد التاريخية والسياسية والدينية لهذا الصراع، الذي يُعد من أخطر تركات الاستعمار البريطاني في جنوب آسيا، محذرًا من احتمالية انزلاق البلدين النوويين إلى مواجهة كارثية لا رابح فيها. 

كما ناقش الكاتب السياسات القومية المتشددة في الهند، خاصة في عهد ناريندرا مودي، مؤكدا أن حل قضية كشمير لا يكمن في القوة العسكرية، بل في الحوار والإرادة السياسية لإنهاء عقود من العداء والدماء.
وفيما يلي نص التقرير:

الهند وباكستان على حافة مواجهة خطيرة مرة أخرى، وفي صلب هذا الصراع القائم بين القوتين النوويتين تقع كشمير، كالعادة فالقضية الكشميرية، تُعد واحدة من أكثر القضايا العالقة في العالم منذ نحو 80 عاما، ولا تزال تمثل أحد أكثر تركات الاستعمار البريطاني تعقيدا في المنطقة بعد رحيل الإمبراطورية.

عندما نالت الهند وباكستان استقلالهما عام 1947، كانت كشمير إمارة مستقلة، ما أثار جدلا كبيرا حول الدولة التي ستنضم إليها في ذلك الوقت. استندت باكستان في مطالبها إلى أن نحو 90% من سكان المنطقة مسلمون، بينما زعمت الهند أن هذه الأراضي تابعة لها تاريخيا. وأصبح هذا النزاع نقطة التوتر الأساسية في العلاقات بين البلدين.

في عام 1948، قررت الأمم المتحدة إجراء استفتاء في كشمير، لكن الهند لم تسمح بتنفيذ ذلك قط، بل على العكس، أرسلت قواتها العسكرية إلى المنطقة وبدأت عملية احتلال فعلي تحت غطاء «الحكم الذاتي». بالنسبة للكشميريين، كان ذلك احتلالا صريحا، وفي السنوات التالية، وصل الطرفان ثلاث مرات إلى حافة الحرب، بينما أصبحت الاشتباكات المحلية وأعمال العنف شبه مستمرة. وفي عام 2019، ألغت الهند رسميا الحكم الذاتي لكشمير وفرضت سيطرتها الكاملة على المنطقة: أُغلقت المساجد، وقُطع الاتصال بالإنترنت، وامتلأت الشوارع بالقوات العسكرية. أما باكستان، فقد ظلت لاعبا رئيسيا في هذا التوتر عبر دعمها للمسلمين الكشميريين. واليوم، لم تعد كشمير مجرد نزاع حدودي، بل تحولت إلى أزمة معقدة تتشابك فيها الأبعاد السياسية والدينية والجيواستراتيجية، ويصعب حلها.

الأسبوع الماضي، أطلق مسلحون مجهولون النار على سياح في منطقة جامو وكشمير الخاضعة للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة العشرات. وألقت الهند اللوم مباشرة على باكستان، بينما زعمت الأخيرة أن الحادث مؤامرة دُبّرت ضدها. وبعد هذه الاتهامات المتبادلة، تصاعدت الاشتباكات على الحدود البرية والجوية بسرعة، لكن أكبر المخاوف التي تنتاب الجميع هي، أن هذا التوتر هو الأول من نوعه بين دولتين تمتلكان أسلحة نووية، وأن التهديدات المتبادلة قد تتصاعد إلى حرب نووية. هل مثل هذه الحرب غير العقلانية ممكنة؟ يفرض العقل والمنطق تجنب هذه الكارثة، لأنها لن تكون دمارا لا رجعة فيه للهند وباكستان فحسب، بل للعالم بأسره. علاوة على ذلك، لم تنجح أي من الحروب التقليدية السابقة في حل هذه المشكلة، لأن قضية كشمير لا يمكن حلها بالسلاح، بل بالإرادة السياسية والحوار. وقد تكون الأزمة الحالية فرصة لتحقيق هذا الحل.

المشكلة ليست مجرد أزمة راهنة، بل هي امتداد لتاريخ الاستعمار الذي لا يزال مستمرا. فعندما بدأت الإمبراطورية البريطانية في التفكك، خشيت من قيام دولة إسلامية قوية في شبه القارة الهندية، ولذلك حاولت تفريق السكان المسلمين في الشمال. وفي النهاية، حُشر المسلمون، الذين كانوا يشكلون أكثر من نصف السكان آنذاك، في باكستان، التي لم تشغل سوى ثلث شبه القارة. ونتيجة لذلك، توزع المسلمون بين ثلاث دول: الهند وباكستان، ثم بنغلاديش لاحقا.
اليوم، يجب على الهند وباكستان التخلص من هذا العبء التاريخي وتبني رؤية سلمية للمستقبل. لكن ما يثير القلق هو انحراف رئيس الوزراء الهندي مودي عن سياسة غاندي ونهرو السلمية، ما يدفع بلاده إلى حافة الحرب. هذه السياسة لن يكون فيها طرف منتصر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!