أحمد البرعي - خاص ترك برس
"فلتستمر المباحثات واالمفاوضات الكلامية ولننفذ العمليات الإرهابية في آن معًا" هذا المنطق الذي يتبناه حزب الشعوب الديقراطي وجناحه العسكري حزب العمال الكردستاني لا يمكن أن نقبل به في الجمهورية التركية، هكذا صرح مؤخرًا، بولنت أرنتش، نائب رئيس الوزراء التركي. جاء تصريحه عقب عمليات إرهابية نفذها وتبناها حزب العمال الكردستاني في أضيامان وجيلان بينار ما أسفر عن مقتل شرطيين تركيين وكذلك مقتل آخر في مدينة إسطنبول.
يأتي ذلك في معرض الرد على الهجوم الشرس والاتهامات القاسية التي يوجهها حزب الشعوب الديمقراطي لرئيس الجمهورية، الطيب أردوغان، ولحزب العدالة والتنمية الحاكم وذلك بتحميله مسئولية التفجير الذي حدث قبل يومين في مدينة سروج الحدودية وأودى بحياة أكثر من ثلاثين شخصًا وإصابة العشرات. كانت ولا تزال أصابع الاتهام تشير إلى "داعش" إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي استغل الحادث وتقمص شخصية الضحية ولعب على وتر مظلومية الأكراد الذين يعانون من هذه الأعمال الإرهابية منذ أكثر من 5 عقود من الزمن وسرعان ما انتهج، كعادته، نهجًا عدائيًا لشخص الطيب أردوغان ولحزب العدالة والتنمية وتحميله مسؤولية الأروح التي أزهقت في العملية الإرهابية بل واتهامه بتسهيل الأمور اللوجستية ومد يد العون بالتدريب والسلاح لتنظيم الدولة "داعش" ولم يقف عند هذا الحد، بل قام جهازه العسكري، حزب العمال الكردستاني بتفيذ عمليات قتل واطلاق نار على مؤسسات لحزب العدالة والتنمية في أنحاء مختلفة من تركيا، ما يشير إلى احتمال عودة الصراع المسلح في مناطق معينة من الجنوب الشرقي التركي، وهو ما قد يودي بعملية السلام الداخلي برمتها، ويجهز على كل الجهود التي بذلت على مدار 3 سنوات من المحادثات والمفاوضات، لحل الصراع التركي الكردي بطرق سلمية.
كانت نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها حزب الشعوب الديمقراطي، ذي الأغلبية الكردية، بأصوات 13% من الناخبين مبشرة ومحفزة للأكراد للانغماس المطلق في العملية الديمقراطية ونقل الصراع من الجبال إلى البرلمان والتخلي عن السلاح واتخاذ الحوار السلمي وسيلة لحل المشاكل الكردية وتحقيق مطالب الشعب الكردي وتطلعاته، وهذا ما نادي به "إعلامياً" رئيس الحزب، صلاح الدين دميرطاش، ولكن حزب العمال الكردستاني لم يترك سلاحه، ولم يصغ لنداءات ومطالبات لجنة الحكماء والوسطاء التي طالبته بالتخلي عن منهج العنف والعمل المسلح.
وجاءت العملية الأخيرة التي حدثت قبل يومين في مدينة سروج، لتشعل الحرب الإعلامية، التي خفت وتيرتها ولم تنته، بين الحكومة وحزب الشعوب الديمقراطي، إذ قام الأخير بتقديم التماس لاجتماع طارئ للبرلمان التركي بتوقيع 80 عضو برلماني، هم أعضاء الحزب ويحتاج إلى 30 توقيع أخرى ليجتمع المجلس إلا أنه لم يوفق حتى اللحظة في الحصول عليها، وهو ما دفعه لاستنكار الموقف التركي إزاء الشعب الكردي وخاصة بعد رفض الحكومة إعلان الحداد على أروح ضحايا التفجير الإرهابي. وهو ما يروج له حزب الشعوب الديمقراطي كأنموذج من مفارقات وتناقضات حزب العدالة والتنمية، إذ من جهة تسعى الحكومة إلى حل النزاع وانهاء الخلاف بين الأكراد والأتراك ورفع قيم الأخوة والمساواة ولكنها لا تقبل بإعلان الحداد العام على أرواح الضحايا فقط لأنهم أكراد!! من جهة يعلن أردوغان الحداد على روح الملك عبد الله، ويقطع زيارته لدول إفريقية لتأدية واجب العزاء بينما لم يقطع زيارته لقبرص التركية ولم يؤدي واجب العزاء ولم يعلن الحداد، وعندما قتل مجموعة من الأمريكيين نكس العلم في القصر الرئاسي وأعلن الحداد على قتلى في باكستان ودول آخرى بينما لا يعلن الحداد على أرواح مواطنيه لأنهم أكراد.
والحقيقة أن تركيا تعرضت للعديد من العمليات الإرهابية في العقود القليلة الماضية ولم يعلن الحداد في أي منها، وذلك لأنهم يعتقدون أنه بإعلان الحداد، تكون قد حققت للإرهابيين مقصدهم بإثارة الرعب والخوف بين المواطنين ولذلك فلا يعلن الحداد إلا في حالات الكوارث الطبيعية كفاجعة منجم سوما وغيره من فواجع الزلازل والكوارث الطبيعية.
إن رد الفعل الكردي العنيف على الحادث الأخير لا يخدم إلا مخطط إثارة الفوضى وبث روح الشقاق التي عانت منها تركيا لعقود خاضت خلالها صراعًا دمويًا راح ضحيته الآلاف من الأتراك والأكراد في حرب لا طائل منها ولا نهاية لها إن عادت إلى الواجهة مرة أخرى. إن الهجوم المسلح على مخافر للشرطة ونقاط للجيش لا يشير إلا إلى عدم الرغبة الحقيقية لدى حزب الشعوب الديمقراطي في الاحتكام إلى نهج التحاور والديمقراطية البرلمانية أو إلى عدم سيطرته على قواعده المسلحة في جبال قنديل أو إلى صراع قوى ونفوذ داخل البيت الكردي وفي جميع الأحوال فإن ذلك لن يلبي بحال مطالب الشعب الكردي الذي يرنو إلى حياة اقتصادية وديمقراطية حقيقة في ظل دولة قوية يتمتع فيها بكامل حقوقه ويؤدي كل واجباته بالتساوي مع جميع المكونات العرقية الأخرى في الموزاييك العرقي والديمغرافي التركي، وهذا ما سعت وتسعى له عملية السلام الداخلي التي يبدو أنها قد تلفظ أنفاسها الأخيرة إن لم يتم احتواء الموقف.
لقد أضحت تركيا هدفًا مشتركًا في مرمى نيران تنظيمين مسلحين إرهابيين "داعش" و"حزب العمال الكردستاني" والمفارقة أن كلاهما يتهم تركيا بدعم الآخر، فمن جهة تركيا تدرب وتدعم وتمول داعش، على حد زعم حزب العمال الكردستاني. بينما تتهم "داعش" تركيا بالتحالف مع الغرب لتدريب البشمركة وتسليح الأكراد لحربهم ضد تنظيم الدولة. خلاصة الأمر أن التطورات في المنطقة أخذت منعرجاً خطيراً ومتسارعاً يضع تركيا أمام خيارات صعبة وقاسية لابد أن تقدم عليها مهما حاولت النأي بنفسها عن مستنقع الصراع الذي ستجد نفسها مرغمة على المشاركة فيه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس