إسماعيل ياشا - العرب القطرية
عملية السلام الداخلي التي أطلقتها الحكومة التركية قبل أكثر من سنتين لحل المشكلة الكردية وطي صفحة النزاع المسلح مع حزب العمال الكردستاني تم تجميدها بعد إعلان اتحاد المجتمعات الكردستانية إنهاء وقف إطلاق النار وبدء الضربات الجوية التي يقوم بها الجيش التركي ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
كانت عملية السلام الداخلي من أبرز مشاريع الحكومة التركية، ومنذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو الماضي وعدم تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على عدد من المقاعد يكفيه لتشكيل الحكومة وحده ومع ظهور احتمال تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية أو حزب الشعب الجمهوري، كان الجميع يسأل عاقبة هذه العملية، في ظل رفض الأول للعملية برمتها وموقف الثاني الغامض منها.
حزب الشعوب الديمقراطي بعد نجاحه في تجاوزه حاجز 10 بالمئة في الانتخابات ودخوله البرلمان التركي بــ80 نائبا، كان بإمكانه أن يلعب دورا بنَّاءً يسهم في تقدم عملية السلام الداخلي إلا أنه اختار -مع الأسف الشديد- أن يلعب دورا هدَّاما من خلال تحالفه ضد حزب العدالة والتنمية مع القوى اليسارية المتطرفة والقوى الأتاتوركية المعادية للهوية الكردية وتبنى سياسة مبنية فقط على معاداة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي خاطر بحياته السياسية من أجل إنجاح عملية السلام الداخلي والإصلاحات الديمقراطية التي استفاد منها الأكراد أكثر من غيرهم.
الناخبون الذين صوَّتوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح حزب الشعوب الديمقراطي منهم من صوَّت عن قناعة وإيمان، ومنهم من صوَّت تحت تهديد السلاح، ومنهم من صوَّت نكاية بأردوغان ولمنع حزب العدالة والتنمية من الحصول على عدد من المقاعد يمكِّنه من تغيير الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي، غير أن نسبة لا بأس بها من الناخبين الأكراد صوَّتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي حتى لا تعود الاشتباكات وأعمال العنف والإرهاب إلى قراهم ومدنهم، وتستمر الجهود لإتمام عملية السلام الداخلي، ويبحث حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان التركي عن حلول لمشاكلهم بطرق سلمية.
الحزب نفسه خلال حملته الانتخابية استخدم سياسة «العصا والجزرة»، وقال للناخبين: إن نجاحه في تجاوز حاجز 10 بالمئة ودخوله البرلمان سيكون أكبر ضمان لاستمرار عملية السلام الداخلي، وعلَّق في شوارع المحافظات الشرقية لافتات تحتوي على صور صنابير مياه تسيل منها الدماء، في تهديد مبطَّن بأن الحزب إن لم يحصل على 10 بالمئة من أصوات الناخبين فسوف تسيل دماء غزيرة في مناطقهم.
الآن، بعد أسابيع فقط من إجراء الانتخابات البرلمانية ونجاح حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز حاجز 10 بالمئة ودخوله البرلمان، تبخرت الوعود وأعلن حزب العمال الكردستاني إنهاء وقف إطلاق النار وعادت العمليات الإرهابية وبدأ هؤلاء الناخبون يتساءلون: «إن لم تستمر عملية السلام الداخلي فلماذا صوَّتنا إذن لصالح حزب الشعوب الديمقراطي؟». وإن تحدث قادة حزب الشعوب الديمقراطي هذه الأيام عن السلام فإن الجميع يعرف جيدا من الذي كان يطلق التهديدات وأشعل فتيل الحرب.
الحكومة التركية ارتكبت بعد إطلاق عملية السلام الداخلي أخطاء ظنت أنها لا بد منها لإنجاح العملية، مثل التساهل في فرض سلطة القانون وحفظ الأمن العام في المحافظات الشرقية وترك المواطنين فريسة لحزب العمال الكردستاني، إن صح التعبير، ولكن هذه الأخطاء يجب أن تكون عائقا أمام المضي قدما في عملية السلام الداخلي، بل يمكن مراجعة ما ومضى وتقييمه وتصحيح الأخطاء. ولا يمكن التراجع عن الحريات والإصلاحات الديمقراطية والمشاريع التنموية التي يستحقها جميع المواطنين من الأتراك والأكراد، بل لا بد من تعزيزها ليقوى الأمل في الحل السلمي للمشكلة الكردية.
العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي حاليا لا مفر منها لدواء الغرور الذي أصاب قادة حزب العمال الكردستاني، وهناك من يرى من المحللين أن عملية السلام الداخلي قد تعود إلى الواجهة بعد إرغام حزب العمال الكردستاني على سحب مسلحيه من الأراضي التركية كما وعد سابقا. وأما حزب الشعوب الديمقراطي فإن كان يريد أن يلعب دورا يسهم في إنجاح عملية السلام الداخلي فعليه أن يتخلى أولا عن محاولة تضليل الرأي العام بالأكاذيب والألاعيب التي لم تعد تنطلي على أحد، وأن يرفض ثانيا بشكل واضح الهجمات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس