ترك برس
تحتل القدس مكانًا خاصًا في معتقدات وثقافة وتايخ المسلمين. يُشير القرآن الكريم إلى القُدس في سياق تناول إسراء ومعراج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وتحتضن المدينة المسجد الأقصى، الذي ظل قبلة للمسلمين لسنتين في بداية الدعوة الإسلامية.
فتح المسلمون القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وشهدت بعد ذلك عمليات بناء كثيفة. اكتست القدس في السنوات التالية حُلّة المدينة الإسلامية بمساجدها ومدارسها ومساكنها وحمّاماتها ونوافيرها وجدرانها ونُزُلها ومطاعمها التي بُنيت في عهد الأيوبيين والمماليك والعُثمانيين.
انتهت فترة السّلام التي شهدتها القُدس لعقود تحت الحُكم الإسلامي مع انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ومنذ ذلك الحين، اقترن ذكر المدينة المُقدّسة بالحروب والدمار والمُعاناة. ظلّت القدس جرحًا نازفًا ومصدرًا للأحزان للعالم الإسلامي لمئة عام تحت الاحتلال البريطاني ولاحقًا إسرائيل.
وفي الحقيقة، القُدس مدينة يُقدّسها المسلمون والمسيحيون واليهود، كما يزورها الحُجّاج والمسافرون والباحثون والفنّانون، وبدأ المصوّرون بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر بزيارتها. التقط هؤلاء الزائرون والمسافرون الصور من جميع أنحاء المدينة وسجّلوا تفاصيل عنها.
أولى "مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول (أرسيكا)" القُدس أهمية خاصة ضمن أنشطته ونشر عددًا من المواد المتعلّقة بها. ومن بين هذه المواد ألبوم مشروح يحتوي صورًا مختارة عن القدس من مجموعة السلطان عبد الحميد الثاني نُشِر في عام 2009.
وللأسف، تعرّض عدد من المباني الموجودة في هذه الصور للدّمار منذ ذلك الوقت. واجهت هذه المدينة المقدّسة دمارًا شاملًا تحت الحكم البريطاني والاحتلال الإسرائيلي على حد سواء. فقد دمّر الجيش البريطاني الذي دخل المدينة في عام 1917 عددًا من المباني في العهد العثماني، بما في ذلك برج الساعة المحمودية والنوافير وبعض المباني الحكومية.
إلا أن القدس شهدت بعد عام 1967 أكبر عملية تدمير على الإطلاق، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال تعرّضت أحياء كاملة للتدمير في تلك الفترة مثل حي المغاربة. ولا زالت أعمال التدمير مستمرة في المناطق التاريخية من المدينة والمناطق التي تعاني من الاستيطان في وقتنا هذا.
يُواجه اليوم كل من المسجد الأقصى وقُبّة الصخرة عُدوانًا حقيقيًا من قبل إسرائيل.
في هذا الإطار، نشر مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول (أرسيكا) عملًا توثيقيًا يُقارن الصور التاريخية بصور حديثة للمدينة المُقدّسة، ويُشير إلى الضّرر الذي تعرّض له التراث الإسلامي فيها على مر السنين.
ويهدف المركز من خلال المشروع إلى لفت الانتباه إلى الدّمار الحاصل في مدينة القدس وتسجيل هذه المعلومات لتقرأها شعوب العالم في المستقبل. كما أشارت إدارة المركز في تقديم المشروع إلى أنها تعتقد "أن مثل هذه الجهود لن تخدم المؤرخين فقط، وإنّما تُساعد المعماريين والفنانين في أعمالهم المتعلّقة في القُدس".
أطلق مبادرة المشروع مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سفر توران. وقام بالتقاط الصّور الحديثة لمدينة القُدس الدكتور ناجح بكيرات. وتولّى الأستاذ المشارك في جامعة مرمرة والباحث في أرسيكا جنكيز تومر مراجعة النّصوص.
يقول الأستاذ سفر توران في تقديم الكتاب: "للقُدس كلمات تُبلّغك إيّاهُن، لِتُحذّرك، عن مُستقبلك. وفي هذا الصّدد، القُدس هي أكثر المُدُن أصالة في العالم".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!