د.مصطفى الحاج حامد – خاص ترك برس
اليوم الكل مشغول بصورة الطفل السوري الذي مات غريقا على سواحل الهجرة التي استهوت الكثير من السوريين في الآونة الأخيرة، واللجوء الذي أصبح الأمل الوحيد للآلاف منهم، حيث ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، ولم يجدوا مكانا آمنا لهم في بلاد العرب والاسلام يحميهم من براميل القتل والسلاح الكيماوي وبرد الشتاء ويمنحه لقمة العيش بدون منة ومذلة.
الغالبية من المتعاطفين مع الصورة والمتألمين انهالت بالسب والشتم والعتب على الضمير العالمي والغربي والموقف العربي ، تلوم و تسب وتشتم المسلمين والعرب وتركيا والغرب وامريكا ونظام الأسد وايران....
وربما يحق لهم هذا من شدة الألم وحرقة القلب والعتب واللوم على من تأملنا بهم الخير والنجدة والفزعة ونصرة المظلوم على أضعف الايمان.
والغالبية من هؤلاء جالسة بدول الغرب أوالشرق حققت الأمان والطعام لها ولأولادها ...والكتابة هي تنفيس لكثير منهم ومحاولة لإرضاء ضمائرهم تجاه مايجري لوطنهم وشعوبهم..
والغضب -وهوحق لنا - والشتم - وهو مبرر اليوم لنا - لا يغنيان ولا يسمنان من جوع مالم يقرن هذا الغضب بعمل وفعل، وهذا الشتم بحل وبديل...
حالة من ردة الفعل ستزول اليوم أو غدا أو بعد غد أو بعد اسبوع على الأكثر....وهذا ما حدث مع حادثة الطفل الذي مات متجمدا من البرد في لبنان بالشتاء الماضي ....بل نسينا جرائم السلاح الكيماوي بالغوطة وإدلب وتدمير المدارس على رؤوس الطلاب، والموت من الجوع، والقتل تحت التعذيب....وسننسى صورة هذه الطفل كما نسينا الكثير غيرها.
نعم المسؤول الأول هو النظام وشريك معه بدماء السوريين كل من تواطئ وتخاذل معه، وهذه أصبحت بديهية لا تحتاج لتطبيل وتزمير...
نعم الغرب كله مذنب ....لكن هل أمريكا مهتمة بمصلحتنا وهل الغرب قلق علينا..؟ وتصرفانهم حتى الآن معنا هل أثبتت صدقهم معنا ..؟ أم تخاذلهم وخداعهم لنا ..؟
ومتى كان الغرب منصفا لنا، مهتما بنا ... اذاً لماذا نثور ونعاتب من هو يعمل أصلا لتدميرنا ....؟؟ وهذه طبعا ليست دعوة للمقاطعة أبدا...ولا للكف عن محاولات الاستفادة والضغط على الرأي العالمي بكل الوسائل وفي كل المستويات، ولا يمكن أن نعيش بمعزل عن هذا العالم والواقع الذي تتحكم به قوى معادية لنا.
الدول العربية كلنا يعرف حقيقة أمرها ... وهذا الكلام والسب والشتم على كل العرب يؤلم المخلصين منهم الذين قدموا الكثير للثورة السورية ولايزالون يقدمون..رغم أن الكثيرين منهم مغلوب على أمره، مطارد ومحاصر هو الآخر، فالتعميم يؤذي ويؤلم ويجرح أخوة لنا متعاطفين معنا.
نعم حكام الدول العربية كلهم مقصرون بدون استثناء، وبعضهم متخاذلون والبعض منهم متواطئون.. وحق لنا اللوم والعتب على المقصر والشتم على المتخاذل واللعن على المتواطئ...
لكن السؤال المهم هو ما الفائدة من كل هذا ....؟؟ وما الفائدة من البياانات والشجب ..؟؟
والى متى نفضفض عن أنفسنا بلوم غيرنا ونبرأ أنفسنا باتهام غيرنا ..؟؟
والسؤال الأهم نحن السوريين أين قصرنا ..؟؟
هل نتحمل مسؤولية بهذا الجرم والجريمة ؟؟ أم أنه لا دور لنا وما نحن إلا سوى دمى بيد القوى التي تتلاعب بنا ؟؟
أنت ماذا قدمت بالأمس للثورة ، واليوم ماذا أعطيت ...؟ هل ساعدت عائلة من هذه العوائل على الصمود والثبات لكي لا تفكر بالهجرة والمجازفة ..؟؟
أنا وأنت وهو وهي ....نحن وأنتم ..نحن السوريين .. والعرب والمسلمين....أين كان تقصيرنا ... وتقاعسنا وإهمالنا ..؟؟
هل قمت بكفالة يتيما...؟؟هل تبنيت مصروف تعليم طالبا..؟؟ هل تعهدت بعائلة ..؟؟ هل ساعدت شخصا للحصول على عمل في تركيا او سوريا أو لبنان لكي لا يخاطر ويهاجر ؟؟
الائتلاف والحكومة و المجالس المحلية والاخوان والسلفية والديمقراطيين والليبراليين والحركات الاسلامية و الجهادية والقومية والعرقية ....؟؟
ماذا عملت هذه المكونات لمنع هذه العائلة وغيرها من الهجرة...؟؟
هل هذه العائلة هاجرت بسبب العصبيات الدينية أم العرقية أم المناطقية ...؟؟ أم بسبب الحاجة والفقر والعازة ...؟؟
هل حرمت من الاغاثة بسبب تسييس المال الاغاثي والاقصاء، والتوزيع على أسس حزبية ودينية ومناطقية؟؟
أم هذه العائلة هربت من سورية بسبب ظلم وتجبر من أصبح يملك السلاح ولا يرى سوى نفسه ، ولم يتغير الظلم بل تغير الظالم , أم لفقدان الأمن في المناطق المحررة ؟؟
أم بسبب التهجير العرقي ؟؟ أم ماذا؟؟
هذا الطفل هو رمز ومثال لكثير من الأطفال السوريين...ولن يكون الأول ولا الأخير ....
والحل لا يكون بالسب والشتم والغضب فهو حيلة العاجزين والقاعدين .
أنا أعلم أن كلامي هذا سيزعج الكثيرين ولن يعجب الكثيرين...لكنها الحقيقة التي يجب أن نعيها وليس ضرب من الخيال أو جلد للذات ...
وأعلم وأدرك - وربما أكثر من الكثيرين - حجم المأساة و قلة حيلتنا ومقدار عجزنا عن منع الهجرة والغرق والموت بالحافلات والسفن والشاحنات.
لكن علينا أن نلتفت للمفيد ونبحث عن السبب والحل عند أنفسنا وليس عند غيرنا....
نعم نغضب ونشجب وربما نشتم ونلعن ... ولكن هذا لا يكفي لوحده ولن يعالج من الأمر شيئا...
بل لا بد لنا من التفكير بسد الثغرات وما أكثرها، وما أقدرنا على سد الكثير منها لو أردنا ولوفكرنا بشكل جماعي أخوي تعاضدي وكنا كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى...والشهر والحمى ليسا الغضب والشجب بل همى العلاج والدواء والعمل وسد الثغرات ...
يجب أن نحاسب أنفسنا على الامور التي نستطيع القيام بها وقصرنا بعملها وتقاعسنا عن فعلها ....
في بداية الشهر الرابع للثورة السورية كتبت مقالا بعنوان (( ليس النظام وحده من يقتل الشعب السوري))
ويؤسفني القول وبعد أكثر من أربع سنوات وليس أربع أشهر لا يزال الفلم يتكرر والمشهد يعاد كل عام.
وآمل أن لا أضطر لكتابة مثل هذا بعد أربعة عشر عاما من جديد.
والمثل العربي يقول ( ماحك جلدك مثل ظفرك).
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس