إبراهيم قاراغول - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
نعيش أحداثا لا تبشر بخير، وما نعيشه من تطورات ليس مقتصرا على منظمات ولا حدود دول، فأنا هنا أتحدث عن مخطط يستهدف رسم خارطة جديدة ودائمة للمنطقة بأسرها، وتركيا تتواجد في مركز معمعة هذه الأحداث، سواء أكانت عنصر فاعل فيها، أو ضحية لهذه المخططات، لأنها جغرافيًا تتواجد في المركز، ولهذا يريدون إضعافها وإضعاف دورها وخصوصا بعدما نجحوا في تحقيق الانقلاب في مصر.
مشهد الحرب العالمية
كل الدلالات تشير إلى ذلك، بدءا بالتطورات الحاصلة في جنوب البلاد، ومرورا بحادث أنقرة الذي أفجع كل الشعب التركي، وليس انتهاء بحالة الاستقطاب السياسي التي يزرعونها داخل المجتمع. أما تعاون بعض الأحزاب السياسية مع عناصر إرهابية من أجل تحقيق مكاسب سياسية هو دليل آخر على نواياهم السيئة.
ربما نتحدث عن أمور كبيرة وضخمة، ونتحدث عن سيناريوهات مرعبة يراها البعض مجرد ادعاءات، لكن المراقب للتطورات الحاصلة خلال القرن الماضي، وما نعيشه اليوم في محيط تركيا، سيدرك أنّ ما نتحدث عنه هو الواقع.
لا نملك اليوم أي خيار سوى الإقرار بأننا ندفع اليوم فاتورة صراع القوى العالمية، التي لا تراعي خصوصيتنا، ولا تهتم بالشعوب ولا بالدول في سبيل تحقيق مصالحها، ونحن نعيش اليوم أبواب عصر جديد قاسٍ جدا، نحن الضحية فيه، وإذا لم نقر بذلك الآن، سنعيش ذلك خلال المستقبل القريب.
ولهذا يجب على تركيا أن تبقى يقظة جدا حيال هذه المخططات، لأنّ مسودات الخرائط الجديدة ستضرب تركيا، ونحن هنا لا نتحدث عن الموضوع كمشكلة ارهاب فقط، ولا عن منظمات ارهابية، فالعدو الحقيقي لنا هو من يريد سد الطريق أمام تركيا، وإضعافها، وضرب العمود الفقري لها وتفتيته. العدو الحقيقي هو مشروع تحويل تركيا إلى ساحة نزاع وحرب أهلية بين أطيافها المختلفة والمتنوعة، وهذا الخطر أكبر بكثير من خطر الاحتلال والاستعمار.
يجب أن لا تعمينا العمليات الارهابية عن رؤية الحقيقة والمشهد الكامل، حيث لا توجد اليوم منظمات إرهابية، وإنما هي امتدادات لمشاريع إقليمية، وهذه المنظمات وحتى الأحزاب السياسية، ما هي إلا أدوات في يد تلك القوى تتحكم فيها كيفما تشاء، وتحركها بالطريقة التي تساهم في تحقيق مشاريعها.
هذه الهجمات ليست هجمات إرهابية فحسب، وإنما هي تدخل في شؤون تركيا، فلا يهم من هو المنفذ المباشر لمثل هذه الهجمات، وإنما الأهم من يقف خلفهم ويعمل على تنفيذ حسابات سياسية من خلال مثل هذه الأعمال الإرهابية، ولذلك فقد انتهى العهد الذي نرى فيه المنظمات الإرهابية بحدودها فقط كمنظمات.
سيكون من الخطر على تركيا أن تنشغل في البحث عن منفذي الهجمات الإرهابية الأخيرة، في الوقت الذي تعيش فيه حدودها تطورات خطيرة، وفي الوقت الذي تعيش فيه المنطقة بأسرها تطورات متسارعة، لأنّ القنبلة التي تفجرت في أنقرة تم معايرتها من أجل تفتيت الوحدة التركية، والأهداف لا تقتصر عند هذا الحد، وإنما هي مجرد بداية من أجل الدخول في مرحلة احتلال المناطق في جنوب شرق تركيا.
تلك التفجيرات لا تستهدف حزب العدالة والتنمية وأردوغان والحكومة، وإنما تستهدف تركيا بصورة مباشرة، لأنها جزء من مخطط لتحويل تركيا إلى سوريا جديدة، من أجل تفتيت المجتمع التركي والبدء باحتلاله والسيطرة عليه.
ربما يتم الكشف عن المنفذين للتفجيرين الانتحاريين، وبعدها سيتم معرفة المنظمة التي تقف خلف تلك التفجيرات، لكن لن يتم الكشف عن القوى الحقيقية التي تقف خلف تلك المنظمة، والتي أمرتها بأنْ تقوم بهذه الهجمات، وهذا ما حصل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كانت "القاعدة" تقف خلف كل التفجيرات التي تحصل في العالم من اندونيسيا حتى إسبانيا! وتم إغلاق ملفات كل التحقيقات، لأن القاعدة كانت مجرد غطاء لتلك الأحداث.
على الجميع إدراك ذلك حتى من يعادي أردوغان
واليوم نحن نعيش أمرا مماثلا لذلك، يتم إغلاق كل الأحداث وإغفال كل السيناريوهات الحقيقية من خلال الإعلان بأنّ "داعش من قامت بذلك"، علينا أن ندرك هذا الامر، لأنّ دور هذه المنظمات هو فقط التغطية على الحقائق.
تقف تركيا صامدة اليوم في وجه كل المخططات التي يريدون تحقيقها في هذه المنطقة، ولا تملك اليوم خيارا آخر غير تعزيز صمودها وقوتها، وصمود أردوغان وداود أوغلو جزء من الصمود التركي في وجه هذه المشاريع، ومثل هذا الصمود من الممكن أن يكون سببا في إنقاذ مستقبل تركيا، ولذلك على الذين لا يحبون أردوغان أيضا أن يدركوا بأنّ هذه المخططات تستهدف تركيا كلها وليس حزبا سياسيا فيها.
كل خطوة في سوريا مقابلها هجمات من داعش!
سمعنا في نفس اليوم الذي فجر فيه الانتحاريون أنفسهم في أنقرة، أخبارا تتحدث عن محاولة اغتيال لملك السعودية، والأخبار تتحدث عن تعرضه لحالة تسمم ودخوله في غيبوبة، وأنّ ما جرى هو انقلاب في الرياض، وفي نفس ذلك اليوم أيضا خرج برزاني بتصريحات تدعم تركيا، وفي نفس اليوم تعرض بناء الحزب السياسي الداعم لبرزاني لإطلاق نار.
وهذا دليل واضح يكشف الأسباب الحقيقية لمثل هذه الهجمات، فكلما وجهت تركيا ضربات قاسمة لحزب الاتحاد الديمقراطي (YPG)، وكلما اتخذت خطوات جريئة في سوريا، تتعرض تركيا لتفجيرات يتم تغطيتها تحت غطاء "داعش"، ومن المحتمل أن يكون منفذا الهجوم الأخير من داعش ايضا، لكن هذا الأمر لن يجعلنا نشعر بالطمأنينة حيال هذه التطورات.
برأيكم من يريد من تركيا "سحب يدها من سوريا"؟ يكفيكم النظر بدقة إلى التحالفات التي جرت مؤخرا حول الملف السوري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس