حمزة تكين - خاص ترك برس
لا يعيش الأتراك ليلة العاشر من محرم "عاشوراء" كأية ليلة أخرى من ليالي العام، فلهذه الليلة خصوصية مميزة في تركيا، ولها عاداتها وتقاليدها العثمانية التي مازالت قائمة حتى يومنا هذا.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم".
وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه".
ففي يوم "عاشوراء" نجّى الله معظم الأنبياء عليهم السلام من محنهم، إذ قبل فيه توبة آدم، وشفا فيه أيوب من مرضه، وأنجى فيه إبراهيم من النار، وجاوز فيه بموسى البحر، وأنجى فيه نوح ومن معه من الغرق.
وإضافة لذلك شهد هذا اليوم سنة 60 للهجرة، حادثة أليمة مفجعة، كان سببها اختلاف الأمة فيما بينها، فخسرت أغلى ما كانت تملك آنذاك، وهو الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه، الذي استشهد في هذا اليوم في كربلاء مع إخوته: جعفر، والعباس، وأبو بكر، ومحمد، وعثمان، وأبنائه: عبد الله، وعلي الأكبر، وأبناء أخيه الحسن: عبد الله والقاسم وأبو بكر، ومن أبناء عقيل: جعفر، وعبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الله بن مسلم بن عقيل، ومسلم بن عقيل، ومن أولاد عبد الله بن جعفر: عون ومحمد.
18 رجلا من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، استشهدوا على يد الفئة الباغية التي لم تراع حرمة لرسول الله وآل بيته ودين الله.
كل هذه المعاني الخاصة بيوم العاشر من محرم "عاشوراء" لها مكانتها الخاصة في قلوب كل الأتراك من السّنّة والعلويين، على حد سواء، حيث يتم إحياء هذا اليوم بطريقة خاصة تتميز بحضارتها ورقيّها الذي يرتقي لمستوى معاني هذا اليوم.
ولذلك يحرص الأتراك على صيام هذا اليوم، تنفيذا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مع تذكر الأحداث التاريخية المختلفة التي حصلت في عاشوراء، وتدارس معانيها ودروسها المستفادة.
ومن أهم العادات والتقاليد التي يحافظ عليها الأتراك، أيضا، في هذه الليلة ويومها، تحضيرهم لحلوى خاصة جدا، تُعرف باسم "حلوى عاشوراء"، حيث يتم تبادلها بين الجيران، وتوزيعها في الأزقة والطرقات، إضافة لكونها وجبة رئيسية مجانية في الكثير من المطاعم.
"حلوى عاشوراء" يصنعها الجميع ويوزعها الجميع ويأكلها الجميع، دون أن يتمكن أحد أن يميّز طائفة أو مذهب فلان عن فلان، فكلهم مجتمعون بصف واحد وفي مناسبة واحدة، من الطبيعي أنها تجمع ولا تفرق، توحد ولا تمزيق.
وتتكون هذه الحلوى من أنواع عديدة وكثيرة من المكسرات والحبوب، المخلوطة مع الحنطة، إضافة لبعض أنواع الفواكه، ليصار لتقديمها وتوزيعها وجبة ساخنة حلوة.
هذه العادة، لم تعد منذ العام 2008، عادة شعبية فحسب، بل تحولت الى عادة رسمية، لإحياء مراسم عاشوراء وتقديم هذه الحلوى، وذلك مع مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان آنذاك رئيسا للحكومة، للمرة الأولى بإفطار دعت إليه كبرى الجمعيات والاتحادات العلوية في تركيا.
ومنذ ذاك العام، أصبحت الدولة التركية بكل أركانها تحيي هذه المناسبة بطرق مختلفة وعديدة، وعلى رأس الدولة رئيسها رجب طيب أردوغان الذي قدم وجبة محرم وحلوى عاشوراء في القصر الرئاسي العام الماضي، خلال استقباله وجهاء الطائفة العلوية، لتناول طعام الإفطار في القصر الرئاسي الجديد.
وكذلك يخصص البروفيسور أحمد داود أوغلو، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية، وحاليا رئيس الحكومة، وقتا خاصة في العاشر من محرم، للمشاركة في إحياء مراسم هذا اليوم، وتوزيع حلوى عاشوراء على المواطنين.
أما البلديات، فلا يمكن أن تمر هذه المناسبة عندها مرور الكرام، فتعكف في ليلة العاشر من محرم، على بدء تحضير "حلوى عاشوراء" ليصار لتوزيعها في الساحات العامة على المواطنين، على وقع الأدعية والصلوات، في أجواء من المحبة والسلام والألفة.
ولذلك أصبحت "عاشوراء" مناسبة قوية وهامة لتلاقي الشعب التركي بمختلف طوائفه وأطيافه، ولم تتحول الى مناسبة لتأجيج الفتن والنكئ في جراح الماضي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس