حمزة تكين - هافينغتون بوست

يحتفل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بعيد تأسيسه الرابع عشر، وفي سجله الكثير الكثير من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي غيرت صورة تركيا وواقعها نحو الأفضل ونحو مزيد من التقدم والازدهار والتفوق خلال هذه السنوات القليلة، مقارنة مع 78 عامًا عاشتها البلاد تعاقبت خلالها 57 حكومة.

يحتفل مؤسسو الحزب وقادته وأعضاؤه، إلى جانب محبيه في العالمين العربي والإسلامي، بهذه المناسبة، حيث تأسس الحزب المعروف بالتركية بـ"AK Parti" في 14 آب/أغسطس عام 2001، على يد شخصيات تركية عديدة أبرزها رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، ورفيق دربه رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول، وذلك بعد أن حلت محكمة الدستور في 22 حزيران/يونيو 2011 حزب الفضيلة الذي كان يرأسه المرحوم البروفيسور نجم الدين أربكان.

سياسة "العدالة والتنمية"
من الأساسيات المتجذرة في سياسية الحزب، العمل على تحقيق المعالجة والتطور في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وتحقيق السلام والازدهار لكل مواطني تركيا، دون أي تفرقة على أساس عرقي أو ديني أو طائفي أو مناطقي.

ولذلك يحرص المسؤولون في الحزب دائمًا على الحديث عن تطوير وعي المواطنة وحماية حقوق الإنسان والحريات، وتنمية القدرات الإنتاجية لتركيا، والقضاء على الفجوة في توزيع الدخل.

من الناحية الدينية، يمكننا القول: إن "العدالة والتنمية" يجسد حقيقة الإسلام، الذي هو أصلًا دين الاعتدال ودين الحياة، فالحزب يعتبر رائدًا باحترام الحريات الدينية والفكرية وبالانفتاح على الغير، وهذا ما أكده مؤسسه، الطيب أردوغان في كثير من خطاباته وأحاديثه، حيث يقول في إحداها : "حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا محليًّا بل هو نموذج عالمي سيثبت للعالم أن الإسلام والديمقراطية يلتقيان ولا يتصارعان".

ولهذا يدعو الحزب لإقامة دولة ديمقراطية حقيقية تحترم حريات الناس وكراماتهم وعقائدهم، بدون تفرقة أو تمييز، بعيدًا عن "العلمانية" المتطرفة الفضفاضة التي تحتمل تأويلات، والمخاصمة للدين والحريات، متمسكًا بـ"العلمانية" المتصالحة مع الدين والمدافعة عن الحريات.

"العدالة والتنمية" يمثل "العثمانيين الجدد" ؟
يُتهم الحزب اليوم من قبل كثيرين، أنه يمثل "العثمانيين الجدد"، محاولين ذمه بهذه النقطة، غير مدركين أن هذا الطرح هو في الحقيقة مدح مشرف، وهذا ما أكده رئيس الحزب، ورئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داوود أوغلو، في أحد خطاباته قائلًا: "إن لدينا ميراثًا آل إلينا من الدولة العثمانية.. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد.. نعم نحن العثمانيون الجدد، ونحن نجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا".

وهل كانت الخلافة الإسلامية العثمانية إلا خلافة حضارة وتطور وازدهار وإنجازات عظيمة ما زال صداها يُسمع حتى يومنا هذا، ما يثير حنين الكثيرين من مختلف الأعراق والقوميات لذاك التاريخ الذي كان مفعمًا بالقوة والعزة مع وحدة كبرى، تفتقدها المنطقة اليوم بين شعوبها.

"العدالة والتنمية" يتخطى عقبات كبرى بحنكة وذكاء من أجل الوصول للهدف
ما أن وصل الحزب إلى السلطلة عام 2002، حتى حرص قادته على تجنب الدخول بأي صراع كبير أو صغير مع الجيش التركي، وهذا ما أمن له مصداقية كبيرة في نواياه، ازدادت أكثر فأكثر يوم أن عزف الحزب عن مجابهة الشارع العلماني الذي قام بمظاهرات معارضة لترشيح عبد الله غول لرئاسة الجمهورية، ولم يدع الحزب مناصريه لمظاهرات مضادة، ما جنب تركيا اضطرابات خطيرة كان بإمكانها أن تحصل لو تصادم الشارعان.

وقد انتهج قادة الحزب منذ تأسيسه، وعلى رأسهم أردوغان وغل، سياسة ناعمة تجاه مفهوم العلمانية والعلمانيين، ما سبب إحراجًا كبيرًا وتخبطًا لدى أنصار هذا الفكر، فتم بذكاء كبير سحب البساط من تحت أقدام العلمانيين.

أما على صعيد الحجاب، الذي كان محظورًا في تركيا، لم يقم قادة الحزب بالمطالبة فور استلامهم للسلطة برفع هذا الحظر، بل تعاملوا معه بهدوء وحنكة، فها هو أردوغان، يرسل ابنته المحجبة للدراسة خارج تركيا، كون الجامعات التركية كانت تحظر ارتداء الحجاب، ولم يدخل بصدام مع هذه القوانين.

وكذلك دأب مسؤولو الحزب على انتهاج سياسة غير مستفزة للخارج، من أجل تجنب الصدام الخارجي، فكانت زيارة أردوغان الرسمية الأولى بعد توليه رئاسة الوزراء، إلى بروكسل حيث مقر الاتحاد الأوروبي، في خطوة مطمئنة للأوروبيين ومسكنة لهم.

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل" فاتبع الحزب سياسة حوّلت هذه العلاقة من "علاقة تحالف" إلى "علاقة ندية"، مؤكدًا وقوفه إلى جانب قضية فلسطين والشعب الفلسطيني وعلى رأسها قضية القدس، حيث أثبت الحزب قوة ارتباطه بمفهوم الأمة، من خلال دعم هذه القضية المركزية، في المحافل الدولية كافة، وهنا يمكن القول إن الدبلوماسية التركية الداعمة للشعب الفلسطيني تعتبر من أقوى الدبلوماسيات في هذه النقطة.

من إنجازات "العدالة والتنيمة" الاقتصادية
ـ ازدياد ثقة الشعب التركي بقدراته وأصبح يؤمن بأنه قادر على الإنجاز والتقدم.

ـ إطلاق الحريات الفردية على أسس احترام حقوق الإنسان.

ـ تسديد الديون العامة والخارجية لتركيا.

- إجراء إصلاحات كبرى في المجال الصّحي.

ـ إعادة تخطيط وتنظيم المدن وإجراء تعديلات جذريّة في البنية التحتية.

ـ إنشاء عشرات القطارات السريعة وآلاف الكيلومترات من السكك الحديدية.

ـ وصول تركيا اقتصاديًّا إلى المرتبة الـ17 عالميًّا، وإلى المرتبة الـ6 أوروبيًّا.

ـ ارتفاع الناتج القومي الإجمالي من 230 مليار دولار عام 2002، إلى 820 مليار دولار عام 2013.

ـ تراجع نسب الفائدة من 65% إلى حوالي 8.5% حاليًّا.

ـ ارتفاع نسبة دخل الفرد الواحد من 3 آلاف و300 دولار إلى 10 آلاف و800 دولار.

ـ تراجع نسبة التضخم من 32% إلى ما بين 7و9% خلال 10 سنوات.

ـ تراجع نسبة عجز الميزانية للدخل القومي من 16% إلى 1%.

ـ ارتفاع قيمة الصادرات من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار.

ـ بناء 5474 منشأة في مختلف المناطق التركية، من مدارس ومستشفيات وملاعب ومساجد.

ـ بناء أكثر من 637 ألف شقة سكنية، والعمل مستمر للوصول إلى مليون شقة، تقدم بتسهيلات كبيرة في الدفع والتقسيط للمواطنين.

ـ سن قوانين جديدة لتأمين المساعدات الاجتماعية لملايين المواطنين من أصحاب الاحتياجات الخاصة وكبار السن والفقراء.

ـ إنشاء أكثر من 30 مطارًا في مختلف المناطق التركية.

ـ إنجاز مشروع العصر المتمثل بـ"قطار مرمراي" الذي يربط قسمي إسطنبول الأسيوي بالأوروبي تحت البحر.

ـ استمرار العمل ببناء أكبر جسر في العالم في إسطنبول باسم "جسر السلطان سليم".

ـ استمرار العمل بإنشاء مطار إسطنبول الثالث أحد عناصر "مشاريع فخر تركيا" الذي سيغيّر مسار التاريخ العالمي بعظمته وضخامته وقدراته الخدمية، حيث سيكون هو المطار الأكبر في العالم.

ـ إنشاء أكثر من 17 ألف كيلومتر من الطرق المزدوجة في كافة أنحاء تركيا.

ـ ازدياد عدد الجامعات الحكومية من 80 إلى 180 خلال العشر سنوات الماضية.

ـ إنشاء 222 ألف قاعة مدرسية جديدة.

ـ تأسيس ودعم مؤسسات خيرية تركية هي اليوم بخدمة الإنسان عامة والمسلمين خاصة من بورما في جنوب شرق تركيا إلى هاييتي في القارة الأمريكية، ومن أقصى جنوب أفريقيا إلى أقصى بلدان شمال أوروبا.

هذا جزء مما حققه "العدالة والتنمية" منذ العام 2002، في حين عجزت حكومات كثيرة في المنطقة على تحقيق جزء من "العدالة" أو من "التنمية".

"العدالة والتنمية" اليوم
يستمر حزب "العدالة والتنمية" اليوم بنفس السياسة التطويرية للبلاد على مختلف الأصعدة، وهو دخل منذ أشهر بمرحلة تطويرية ذاتية داخلية في صفوفه بعد أن تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في حزيران/يونيو الماضي، حيث لم يتمكن للمرة الأولى منذ تأسيسه على تشكيل حكومة منفردًا، وقد سعى لتشكيل حكومة ائتلافية مع "الحركة القومية"، ثم "الشعب الجمهوري" إلا إن هذه المحاولات لم تحقق نجاحًا بسبب تعنت هذين الحزبين في كثير من النقاط.

هذا الواقع يقود تركيا إلى إعادة الانتخابات البرلمانية مجددًا، خلال فترة زمنية قصيرة، مع توقعات بأن يستعيد "العدالة والتنمية" الأغلبية المطلقة وبالتالي سيتمكن مجددًا من تشكيل حكومة جديدة بشكل منفرد.

هذه التوقعات أكدتها عدة استطلاعات للرأي، أبرزها استطلاع أجرته "مؤسسة ماك" قبل أيام، حيث أظهر أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 44.7 في المئة من الأصوات إذا أجريت الانتخابات المبكرة، بعد أن كان قد حصل على نسبة 40.9 في المائة في حزيران/يونيو الماضي.

هذا التقدم من جديد لـ"العدالة والتنمية" مرده إلى تراجع كبير بنسبة مؤيدي "حزب الشعوب الديمقراطي" صاحب التوجهات الكردية، والذي يكاد يقف اليوم إلى جانب "حزب العمال الكردستاني PKK" الإرهابي، والذي تشن ضده أنقرة عمليات عسكرية مستمرة منذ أواخر الشهر الماضي، بسبب استمراره بشن هجمات إرهابية ضد عسكريين ومدنيين في تركيا.

وقد أظهر استطلاع الرأي لـ"مؤسسة ماك" أن تأييد "حزب الشعوب الديمقراطي" سيتراجع إلى 10.7 في المائة بعد أن كان قد حصل على أكثر من 13 في المائة في انتخابات حزيران/ يونيو.

وفي الختام، ما أمّن النجاح الباهر لـ"الحزب العدالة والتنمية"، هو عمله الدؤوب على تحقيق "العدالة" للجميع دون أي تفرقة أو تمييز لأي اعتبار، كما يحصل في غير مكان، وعمله على تحقيق "التنمية" التي هي بدورها كانت للجميع دون أي تفرقة أو تمييز لأي اعتبار.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس