د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تحبس تركيا اليوم أنفاسها منتظرة نتائج صناديق انتخابات الإعادة ، مع إدراك الجميع أنها انتخابات مفصلية وتشكل منعطفا خطيراَ لمسيرة تركيا ومستقبلها القريب.
القرار والحكم للناخب والمواطن التركي وحده وليس لأحد غيره....
ماذا سيقول الناخب اليوم؟
وكيف سيكون قراره واختياره هذه المرة من انتخابات الاعادة؟
ولماذا يجب أن يغير الناخب صوته هذه المرة عن المرة الماضية ؟
وماذا فعلت الأحزاب لأجل ذلك؟
1-حزب العدالة والتنمية التركي (AK PARTİ)
*هو الحزب الذي لا منافس له اليوم من حيث موقعه الاجتماعي ،وهذا الموقع هو الذي يحكم تركيا على مر التاريخ.المحافظين القوميين الوسط.
*باني تركية الحديثة ونهضتها الاقتصادية أمرا لا يختلف عليه اثنان . *الاصلاحات القانونية والدستورية ،وخاصة ما يتعلق بالانضمام للاتحاد الاوربي التي استطاع العدالة والتنمية تحقيقها ، كانت حلماَ ،ولم يكن بإمكان حتى أكثر الاحزاب حماساً وقرباً من الليبرالية واليسارية أن يحققها.
*انجازات العدالة والتنمية غيرت ملامح تركيا وجعلتها بين الدول العشرين الأولى ،التي تستضيف قمتها بعد أيام قليلة. انجازات على كل المستويات و يعترف بها العدو قبل الصديق .
*مساعي العدالة والتنمية لحل قضية تركيا اللأولى وهي القضية الكردية من خلال مشروع السلام الاجتماعي ،والقوانين التي سنت من أجل ذلك وكسر كثير من الأمور التي كانت بمثابة خطوط حمراء بالنسبة للدولة القومية التركية ،هي الأخرى محل تقدير واعتراف من قبل الجميع .
*حالة الفراغ التي اصابت تركيا بالأشهر الخمسة الماضية ،والتراجع الاقتصادي،وتعديل للعدالة والتنمية لكثير من مواقع المرشحين والوعود الانتخابية التي تمس حياة المواطن ومقفه من الحرب على الارهاب ،كلها تحسب ايجابيات لصالح العدالة والتنمية ولعودة المواطن العادي لإدراك دور الحزب والحكومة القوية.
لكن ايضاً:
*أصاب العدالة والتنمية وبشكل طبيعي كل ما يصيب الاحزاب التي تحكم البلاد لفترة طويلة،اصابه الترهل والغرور.
*التوسع بكوادر الحزب وانضمام شخصيات من مشارب مختلفة أمرا لا بد منه لكل حزب حاكم ،وهذا ما جلب بعض الفساد وسوء الادارة والإساءة للحزب.
*انتقال مؤسس الحزب ورمزه طيب أردوغان لسدة الحكم ورغبته بقيادة الحزب وتغيير شكل الحكم ،بالإضافة لتنحية الرئيس السابق عبدالله جول وزملاءه ،وتدخل رئيس الجمهورية بالحملات الانتخابية وجدت لها ردود أفعال ،تكاثر هذه الردود مثل كرة الثلج قد يكون له جرح مدمي للحزب .
*علاقة الحزب مع جماعة فتح الله غلان في بداية الحكم ، ومحاربة المحاولات الانقلابية من قبل العسكر بدعم وضخ اعلامي قوي من قبل صحافة الجماعة ،بعدها جاءت المحاكم لتُبرَّأ هؤلاء وانقلاب الحزب ضد الجماعة .أمور لم يستطع المواطن فهما وتركت لدية عدم ثقة بما يجري.
*الخلاف من الأكراد وتراجع العدالة والتنمية لموقع القومية التركية مضطراً ،وبعض التصريحات التي تم استغلالها بشكل كبير من قبل المنافسين أضرت بالعدالة والتنمية .وحصل انفصام بين العدالة والاكراد.
*العدالة والتنمية وخاصة في بداية حكمه حاز على تأييد منقطع النظير من كثير من الكتاب وحملة الاقلام الهامة بتركيا ،مصيبة أم مخطأة -مع الأسف اليوم أغلبها تكتب ضد العدالة والتنمية .
*تفنيد العدالة والتنمية لوعود حزب الشعب الجمهوري الاقتصادية في الانتخابات الماضية ثم تراجعه وتبنيها -أو الاقتراب منها - والتعلق بها قد لا تكون طوق النجاة.
2-حزب الشعب الجمهوري (CHP)
*حزب منذ بداية الجمهورية التركية ومؤسسه هو الزعيم التركي كمال أتاتورك ،حكم تركيا مرات عديدة منفردا وبحكومات ائتلافية .وهو حزب المعارضة الأم منذ حكم العدالة والتنمية .
*يجمع بين اعضاءه الكثير من المثقفين ويجد دعما كبيرا هذه المرة من كثير من الكتاب وحملة الأقلام وخاصة من صحافة رجل الاعمال أيدن دوغان الذي يتخذ موقفا سلبيا ومعاديا تجاه الحكومة والعدالة والتنمية وأردوغان بشكل خاص .
*وعوده الاقتصادية والتي تمس حياة المواطن التركي في الانتخابات الماضية كان لها صدى جيد.اعتراض العدالة والتنمية عليها ورفضها بحجة عدم واقعيتها ثم تبنيها اليوم ،نقطة ثقة اضافية للحزب الجمهوري.
*موقف الحزب وخاصة رئيسه خلال جولات تشكيل الائتلافية ،موقف أعجب الكثير من المواطنين ووجد ترحيبا من حملة الاقلام والصحافة العالمية.
*رغبة الغرب والخارج بمشاركة الشعب الجمهوري للحكم ،اضافة لحملة الاقلام وصحافة الداخل أمور لها أثرها ايضا.
لكن :
*اصوات اليسار التركي التي يمثلها حزب اتاتورك لا تتجاوز الثلاثين بالمئة على أفضل تقدير.وهذه لا تمنحه ان يكون سوى شريكا في حكومة ائتلافية.لذلك لا يطالب الحزب أن يكون لوحده بالحكم بقدر ما يطالب بالحكومة الائتلافية وضرورتها.وهذه نقطة ضعف الحزب الجمهوري ومقتله.
*لن نجافي الحقيقة أبدا إذا قلنا أن غالبية الشعب التركي المتبقي ،هم لا يحملون الانطباع الجيد لفترات حكم الشعب الجمهوري ،حتى الحكومات الائتلافية التي كان مجرد شريكا بها.فالكبار لهم ذكريات مؤلمة وحزينة .
*سياسة الحزب الخارجية وتركيبته الإثنية وارتباطاته الخارجية وزيارات اعضاءه لنظام دمشق وسيطرة الجهات الداعمة على سياسة الحزب واقترابه مع جماعة الدولة الموازية .أمور تخيف الشعب بأكمله.
3-حزب الحركة القومية (MHP)
*تجمع الأصوات القومية الطورانية التي تنادي بأن تركيا للأتراك وليس للمواطنين الأتراك.والمنادية بتقوية دور الدولة التركية أولا.
*معاداة الحركات الانفصالية والمطالبة بسحقها بقوة ،وتقوية الدولة والمناداة بالدولة القومية التركية جعلت الكثيرين يجدون مبتغاهم في ظل عودة لروح الدول القومية والطائفية والعرقية .
*تقاطع شريحة ناخبيه مع العدالة والتنمية ،جعله يتبنى معارضة قوية ضد الحكومة وخاصة رئيس الجمهورية مما أكسبه تأييد ودعم من خارج الحركة القومية .
*مرشحي الحركة القومية رغم صبغتهم القومية الضيقة غالبيتهم من حملة الشهادات والخبرات والكفاءات .
لكن:
*تقوقع الحركة على نفسها،وموقف رئيسها المتصلب ضد رئيس الجمهورية ،وموقفها من الأكراد يضعف من حظوظها.
*اللاءات التي اشتهر بها رئيس الحركة القومية خلال جولات تشكيل الحكومة الائتلافية وفصله وطرده لأي مخالف له وعلى رأسهم ابن مؤسس حركتهم وزعيم الحركة القومية أضر كيرا بالحركة القومية .
*عدم وجود برنامج اقتصادي وسياسي واضح ،أو عدم القدرة على ايصاله للناس والاكتفاء بالعموميات ،لا يطمئن المواطن والناخب .
4-حزب الشعوب الديمقراطية (HDP)
*حزب جديد يسعى لتمثيل أكراد تركيا رغم ارتباطه ودفاعه عن حزب العمال الكردستاني .
*لأول مرة استطاع الاكراد بتركيا دخول البرلمان من خلال لائحة حزبية بأسم الأكراد .
*لم يكن الاكراد فقط من صوت له ،بل استطاع كسب عديد من الاصوات اليسارية والشيوعية التركية.
*كان شعاره منع رئيس الجمهورية تحقيق النظام الرئاسي وقد نجح بذلك.
*انحاز له قسم من الاكراد الذين كانوا يصوتون للعدالة والتنمية بغض النظر عن التفسيرات والتأويلات وراء ذلك .
لكن :
*فقد بريقه بعد مواقفه من التفجيرات الارهابية التي تعرضت لها تركيا
* كان مشروعاً لإسقاط العدالة والتنمية وليس لدعم حقوق الاكراد وحل القضية الكردية من خلال حزب كردي على المستوى التركي كله.
*استثناءه من كل الجولات من قبل العدالة والتنمية ورفضه من قبل الحركة القومية حصره في زاوية ضيقة وأنهى فرص مشاركته في أي محاولات لتشكيل الحكومة الحالية والمستقبلية.
*حتى مشاركته في حكومة الانتخابات المؤقتة كانت مخيبة للآمال .
ضمن هذه السلبيات والايجابيات تخوض تركيا اليوم انتخابات مفصلية
ومن المتوقع بل المؤكد أن نسبة المشاركة في الانتخابات ستكون عالية جدا هذه المرة.
الاستقطاب الحاد الذي يكاد يقسم المجتمع التركي اليوم الى مقاطعات هو الآخر أمرا ليس لصالح تركيا وهذا ما يدفع الكثيرين للمناداة بردم هذه الحفرة من خلال حكومة ائتلافية جديدة وليس بتفرد حزب بالحكم لوحده،كما هو الحال بألمانية وكثير من الدول الغربية .
على عكس ما ينادي به العدالة والتنمية من حاجة تركيا اليوم لحكومة قوية وبعيدة عن الابتزازات والحكومات الائتلافية التي لها ذكرى وتجارب سيئة بتاريخ تركيا.
8-12 % من الأصوات المترددة والتي قاطعت الانتخابات أو التي غيرت رأيها هي التي تقرر مستقبل تركيا اليوم .
انحياز هذه الأصوات للعدالة والتنمية اليوم هو الذي سيفتح صفحة جديدة بتركيا .
وهذا ما يتوقعه ويتمناه الكثير منا .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس