د.مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
لم يعتد غالبية الناخبين الأتراك - وخاصة الشباب منهم - على التصويت مرة ثانية بانتخابات برلمانية من جديد ولم تمضِ بعد سوى خمسة أشهر على الانتخابات السابقة في بداية حزيران/ يونيو الماضي.
هذه الانتخابات لها نكهة جديدة، وربما مغايرة للانتخابات الماضية من حيث خفوت مظاهر الحملات الانتخابية وقلة الأعلام والسيارات التي تجوب الشوارع للدعاية وكسب الأصوات. وحتى عدد المدن التي زارها رؤساء الأحزاب وعدد الحضور في هذه اللقاءات.
لهذا الخفوت وعدم الحماس أسباب عديدة، ولعل من أهمها ما تعرضت له تركيا من صدمة التفجير الإرهابي بهذا الحجم والقوة لأول مرة بتاريخ الجمهورية التركية، وفي قلب عاصمتها التي كانت تعتبر بمنأى عن التفجيرات والإرهاب.
السبب الثاني تساؤل الناخب عن الأسباب التي تغيرات خلال هذه الأشهر القليلة والتي تدعوه لتغيير موقفه وتعديل رأيه واختيار حزب جديد عن الذي صوت له في حزيران الماضي. وأيضًا عن السبب الجوهري الذي غيرته الأحزاب في برنامجها ومواقفها حتى يغير هو قناعته وقراره.
جل ما يمكننا القول عن هذه المتغيرات هو الفراغ الذي يسيطر على تركيا وما يرافقه من تصعيد لموجة الإرهاب واستهداف أركان الدولة التركية، مع موجة الاعتقالات في الأيام الأخيرة ضد منظمات عديدة منها تنظيم الدولة داعش بشكل خاص. بالإضافة للجمود الاقتصادي وتراجع قيمة الليرة التركية. مع بعض التعديلات بالمرشحين والوعود الانتخابية.
هذا الفراغ وعدم الاستقرار والإرهاب والجمود الاقتصادي، هي بمثابة سلاح ذو حدين، يحاول كل طرف الاستفادة منه ويجيّره لصالحه.
فالعدالة والتنمية يريد إرجاع هذه السلبيات لعدم وجود حكومة قوية تحكم البلاد بمفردها بسبب عدم حصوله على الدعم الكافي بالانتخابات السابقة.
وأحزاب المعارضة تقول إن كل هذه السلبيات بسبب سياسة العدالة والتنمية في الأعوام الماضية ويطالبون بأن يدفع الثمن بخسارة له في الانتخابات القادمة. وخروجه من سدة الحكم بمفرده.
خفوت وقلة حماس يسود الأجواء الانتخابية.
لكن في الوقت نفسه قلق وترقب وخوف من النتائج والقادم في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر بعد أيام قليلة.
هذا الخوف والقلق والترقب سببه هو عدم قدرة أحد على التكهن بما سيحصل في هذه الانتخابات، على عكس ما كان في الانتخابات الماضية.
كل الاستطلاعات الأخيرة تشير على أن نتائج الانتخابات الخريفية لن تختلف كثيرًا عن الصيفية. وأن النتائج تشير إلى أن حزب الشعوب الديمقراطية ضمن اجتياز حد العشرة بالمئة من الأصوات مما يؤكد بأن المجلس القادم هو أيضًا من أربعة أحزاب.
أصوات العدالة والتنمية في أكثر الاستطلاعات - حتى المنحازة له - لا تتجاوز نسبة 44% وهذه لا تضمن له القدرة على تشكيل الحكومة بمفردة، وكأنه لم يستفد من إعادة الانتخابات. وعكس هذه النتيجة ستكون كارثية على العدالة والتنمية، ليس لأنه سيضطر للمشاركة بحكومة ائتلافية وقد ضعفت أوراقه، بل ربما تكون لها آثار زلزال مدمر وارتدادات سلبية كثيرة، قد يكرر التاريخ نفسه، كما حصل مع الحزب الوطن الأم والطريق السوي أيام تورغوت أوزال وسليمان دميريل.
أسباب عديدة كانت خلف خسارة العدالة والتنمية في حزيران الماضي، والغرور والترهل، والاختيار السيئ لبعض المرشحين، وقلة التواصل مع الشباب الذي لم يدرك وعورة الطريق التي قطعتها تركيا للوصول لهذه المرحلة، وطرح مشروع الحكم الرئاسي بدون شرحه للناخب بشكل جيد.
لكن ربما من أهم تلك الأسباب، هو انحياز الناخب ذو الأصول الكردية لقوميته بدل التصويت لكل الانجازات الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية التي حصلت ولم يكن أحدا يتوقعها خلال حكم العدالة والتنمية. وخاصة الحقوق التي حصل عليها الأكراد في ظل حكومة العدالة والتنمية. السبب الثاني هو مقاطعة الانتخابات والعزوف عن التصويت، أو التكاسل والتثاقل إن لم نقل عنه محاولة مؤيدي العدالة والتنمية معاقبة وتنبيه الحزب الحاكم وذلك بعد التصويت.
يبدو من خلال الاستطلاعات أن العدالة والتنمية استطاع جذب هؤلاء الناخبين لصندوق الاقتراع من جديد، وهذا ما يفسر الزيادة البسيطة في نسبة أصواته.
لكنه لم يستطع بعد استعادة الأصوات التي انحازت لحزب الشعوب الديمقراطي والتي ذهبت للحركة القومية، والدليل هو محافظة الآخريين على نسبة أصواتهم التي حصلوا عليها في حزيران الماضي.
اليسار التركي وعلى مر السنيين له حصته المعروفة من الكعكة التي لا تزيد ولا تنقص إلا بنسبة بسيطة، هذه الحصة تتراوح ما بين الربع وثلث الأصوات على أعلى تقدير. وهذه هي النتيجة المتوقعة لحزب الشعب الجمهوري الذي يبدي حماسًا منقطع النظير ويقدم برامج تدغدغ أحاسيس المواطن التركي، مما دفع العدالة والتنمية لتبني بعضها ،بعد أن كان قد اعترض عليها وانتقدها في الانتخابات الماضية، وهذا ما جعل العدالة والتنمية بموقع المتراجع عن موقفه رغم تعهده ووعوده الجديد.
أحداث كثيرة حصلت في هذه الأشهر الخمس الماضية الفاصلة بين الانتخابات وإعادتها، تفجيرات إرهابية، وفراغ بالسلطة، وتدهور للعملة. وهي كلها سلاح ذو حدين، يحاول كل طرف من الحكومة والمعارضة أن يقتطع به أكبر حصة ممكنة.
سيناريوهات ما بعد الواحد من تشرين الثاني كثيرة ومتعددة، وكلها تتوقف على النتيجة التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية التركي وليس غيرة.
ولن نجافي الحقيقة أن مصير تركيا ومستقبلها متوقف أيضًا على هذه النتيجة التي يترقبها الناخب التركي بخوف وترقب وتوجس.
وهذا الناخب هو وحده الحكم الفصل وهو الذي سيقرر النتيجة عندما يقول كلمته في الواحد من تشرين الثاني.
وعندها ستقول لنا النتائج قضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتيان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس