د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
أنهى العدالة والتنمية التركي مؤتمره العام الخامس ولأول مرة بغياب مؤسسه وزعيمه الروحي رجب طيب أردوغان، الذي كان غائبا جسديا لكنه حاضرًا بكل أعمال وفقرات ونتائج المؤتمر، حتى قال البعض عن هذا المؤتمر إنه مؤتمر أردوغان وليس مؤتمر حزب العدالة والتنمية... من ذهب لهذا الوصف لم يكن مجافيا للحقيقة فبصمة أردوغان التي تركها في هذا المؤتمر واضحة لكل متابع ومتفحص... وهذه الظاهرة قد تكون السلبية الكبرى للمؤتمر، والنقطة الأضعف التي سيستغلها الجميع للنيل من العدالة والتنمية ورئيسه أحمد داود أوغلو الذي وصفه البعض بأنه مجرد صورة في ذلك المقام الذي يتطلب شخصية قوية تمتلك زمام الأمور ودفة الحكم.
رئيس الوزراء وزعيم العدالة والتنمية داود أوغلو دخل هذا المؤتمر بعد عام من تقلده لزعامة الحزب، وخاض الانتخابات البرلمانية التي خسر بها العدالة والتنمية - ولأول مرة في تاريخه - الأغلبية بالحكم، والقدرة على تشكيل الحكومة بمفرده، بل وتراجعت أصوات الحزب عشر نقاط تقريبا، بشكل أدخل تركيا والحزب في مخاض عسير، وإعادة للانتخابات من جديد. وكان من المنتظر والمتوقع أن يغتنم داود أوغلو هذا المؤتمر ليعيد تقييم الفريق الذي يعمل معه، ويستطيع تشكيل واختبار فريق عمل خاص ومقرب منه خاص بعد هذه التجربة المريرة على الحزب، وأن يقوم بضخ دماء جديدة تعيد الأمل للناخبين والمواطن التركي ليكون هذا المؤتمر انطلاقة جديدة ونهضة قوية وولادة جدية.
لكن هل هذا ما حصل بالمؤتمر..؟
لأول مرة يعيش العدالة والتنمية التركي تجاذبات ومحاولات لتشكيل أكثر من قائمة انتخابية وترشح أكثر من مرشح للمنافسة على رئاسة الحزب، هذه المحاولات التي منعت من الظهور للعلن، هي ظاهرة صحية لحزب يضم بين جناحيه كل الطيف التركي من اليمين والمحافظين والاسلاميين والقوميين واللبرياليين، وكانت ربما ستعتبر بنظر المواطن التركي دليلًا على المناخ الديمقراطي والحرية وعدالة التمثيل والاختيار ونقطة ايجابية لصالحه. بينما تم منعها وتوحيد الصف فكان المؤتمر بعيدًا عن الهيجان والترقب والتسابق على الفوز من خلال الانتخابات. وظهرت سيطرة الرجل الواحد والمرشح الواحد والقائمة مما قد يحرم العدالة والتنمية من الحماس في الانتخابات القادمة. وهناك طبعًا من يرجح هذه الصورة ويعتبرها علامة تماسك ووحدة للصف والكلمة. وهذا ما ستثبته الأيام أو تنفيه.
ولأول مرة يعقد الحزب مؤتمره بدون الثلاثي المؤسس أردوغان وغُل وأرنج... وكان لكل واحد منه وضعه الخاص، ورأيه الذي ربما لا يوافقه عليه البقية في هذه المرة. فكان الغائب الحاضر، والحاضر الغائب، والغائب الغائب.
عبدالله غُل رفض الحضور وأرسل رسالة تنبيهية أكثر منها تبريكية، نصح فيها الحزب بعدم الابتعاد عن الحق والقانون في معالجة الإرهاب... وأرنج أفضى ما بجعبته من عتب وانزعاج عشية المؤتمر فلم يجد مكانًا له في قيادة الحزب هذه المرة.
شعار العودة لروح البداية والتأسيس الذي رفعه أحمد داود أوغلو من منصة المؤتمر، وتحذيره من الغرور والكبر والتكبر والتعالي على الناخب والمواطن، دليل واعتراف منه بالأخطاء التي ارتكبها عناصر الحزب خلال الفترة الماضية، والتي كانت إحدى الأسباب التي جعلت العدالة والتنمية يخسر ما يقارب عشر نقاط في الانتخابات المنصرمة.
العدالة والتنمية التركي عندما بدأ حياته السياسية بدأ بشعارات من أهمها أنه سيكون صوت من لا صوت له، وأنه سيحارب الفساد والبطالة والفقر واستطاع كسب ثقة المواطن والناخب وخاصة في الدورتين الأوليتين من حكمه عندما كان يملك حينها كوادر لا تشوبها أي تهمة أو ملاحقة، وكان جُلّ عناصره من أبناء الشعب الكادح والمواطن العادي يعيشون بينهم ويعانون معاناتهم. فهل يستطيع اليوم العودة لهذه الروح وذلك الحماس وتلك الرغبة والتفاني لاستعادة هذه الثقة من جديد؟؟
العدالة والتنمية التركي الذي جدد ارتباطه وأسند ظهره لرئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان من خلال تصريحات داود اوغلو في المؤتمر والبصمة الواضحة باختيار الأسماء في قيادة الحزب من قبل رئيس الجمهورية، أثبت من جديد أنه لن يستطيع الابتعاد عن زعيمه الروحي، وأنه لا يزال حزب أردوغان وهذا ما يذكرنا بتجارب ليست سارة بتاريخ الأحزاب التي سبقته مثل الوطن الأم والطريق القويم. حيث انتهت تلك التجارب بتلاشي تلك الأحزاب ولم يعد يذكرها أحد من الجيل الجديد الآن. عندما حاول رئيس كل منها التحكم بها وتسييرها بعد الانتقال لرئاسة الجمهورية.
مما لا شك فيه أن رجب طيب أردوغان هو قائد مسيرة العمران والتغيير وباني تركيا الحديثة، ومما لا شك فيه أنه يدرك حساسية المرحلة القادمة وخاصة الانتخابات المقبلة وهو الذي اعتبرها نقطة فاصلة في مستقبل تركيا وقال بأنها ستكون بداية استقرار تركيا أو عدم استقرارها، ويدرك أيضا أكثر من غيره أن هذا ينطبق وبشكل خاص على مستقبل وبقاء العدالة والتنمية من تلاشيه واندثاره في حال لم يحصل العدالة والتنمية على نجاح يؤهله تشكيل الحكومة بمفرده على الأقل. وهذا ما يؤشر بأنه سيخوض المعركة مرة ثانية من جديد بنفسه رغم كل المخاطر والمحاذير.
ومما لا شك فيه أن لهذه الخطوة ايجابياتها وسلبياتها، ويظل الناخب هو الذي سيحكم عليها، لا العواطف والأماني، وهنا يكمن السر الذي يجب فهمه وتقديره حسب ميول الناخب وتفكيره لا حسب الأحاسيس والرغبات التي نحملها.
في ظل الأحداث التي تمر بها تركيا والفراغ الذي تعيشه وبحث الكثيرين عن الأمل والمخرج، لم يكن مؤتمر العدالة والتنمية بنظر الكثيرين نقطة تحول مفصلية في حياة الحزب، ولم يلبي تطلعات كثير من المراقبين قياسا بما تمر به تركيا من أحداث جسيمة وحرب ضد الإرهاب. لكن تبقى المرحلة القادمة وقائمة المرشحين لخوض الانتخابات هي الأهم، وهذا ما سيعيد الثقة والأمل بالحزب إن أحسن اختيارها، لكي يفوز بالأغلبية من جديد ولكي تعود المياه لمجاريها وتتابع تركيا مسيرتها من جديد...
قيادة الحزب الجديدة ليس أمامها من خيار سوى النجاح... وأمامها طريق شاق وصعب، فإما أن تصدق هذه التكهنات ضد العدالة والتنمية وإما تثبت جدارتها في قيادة المرحلة وأن هذه التكهنات ماهي إلا أضغاث أحلام...
المحك هي الانتخابات القادمة... والحكم هو الناخب التركي لا غيره... وهذا ما سنراه في ليلة الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل عندما تظهر النتائج وتبان وهناك يكرم المرء أو يهان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس