ضياء داود - خاص ترك برس
بعد النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية بعد 2002 دعا الكثير من العرب إلى نسخ تجربة أردوغان في البلاد العربية، وازدادت وتيرة هذه الدعوات بعد الربيع العربي وخاصة في البلاد التي كان للإسلاميين حضور واضح فيها مثل مصر وتونس، وقد فات أصحاب هذه الدعوات ما هنالك من فروق بين الدول العربية وتركيا، وكذلك بين الإسلاميين في تركيا والإسلاميين العرب، وأيضا بين العلمانيين العرب والعلمانيين الأتراك.
ولتوضيح نقاط التشابه ونقاط الاختلاف فقد بوبتها إلى ثلاثة أبواب رئيسية:
- توصيف عام للواقع السياسي العربي والواقع التركي:
لكل متأمل في الواقع السياسي التركي بعد قيام الجمهورية عام 1923 سيرى بوضوح أن هناك واقعًا ديمقراطيًا أقل ما يقال عنه أنه يحترم خيار الشعب، صحيح أن هذه الفترة تخللتها انقلابات عسكرية أدت إلى إنهاء تجربة غنية كما حصل مع عدنان مندريس إلا أنه من حيث العموم هناك تجربة ديمقراطية تستجيب لرغبة الشعب. وهذا لا يقارن بالواقع السياسي في البلاد العربية سواء النظم الجمهورية منها أو الملكية وطريقة الحكم فيها، فهي بيد الحاكم وأبنائه والبطانة التي تحيط به، وهؤلاء فقط هم المستفيدون والمتمتعون بأموال البلاد، وما عدا ذلك جمهور عريض يميل إلى الفقر والتخلف. ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا الاستبداد توقف في التنمية وهجرة لعقول ورجوع إلى الخلف في كل الميادين وأبرزها (الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم).
- التشابه والاختلاف بين إسلاميي العرب وإسلاميي تركيا:
وإذا أتينا إلى الإسلاميين أنفسهم سنرى اختلافًا واضحًا في طريقة التفكير والتخطيط وتنزيل منطلقاتهم ورؤاهم إلى خطة عمل ذات خطوات محددة بين إسلاميي تركيا والبلاد العربية، فعلى الرغم من مضي أكثر من 8 عقود من العمل الإسلامي، ورغم نجاحها وبكل وضوح في تنشئة جيل يفهم الإسلام فهما معاصرا شموليا، ورغم أن الحركة استطاعت رغم العنف والاتهام الموجه ضدها والمطاردة والمضايقة لرموزها إلى أنها تمكنت من تنشئة جيل يقف عند تعاليم الشرع، تلقى تربية إسلامية رصينة، حتى أصبح لدى المجتمعات العربية وعي واضح بضرورة النهوض والمطالبة بالعيش الكريم رغم كل ذلك إلا أن إسلاميي البلاد العربية سياسيا لا زالوا يعانون من هوة بين الأفكار المطروحة وإمكانية تحويلها إلى خطط مرحلية قابلة للتنفيذ والقياس، نرى ذلك واضحا بعد الربيع العربي وخاصة ما حصل في مصر فعلى الرغم من إجرام الانقلاب وعدم شرعيته فإنه بلا شك كان أيضًا نتيجة لضعف في الأداء من جانب الرئيس المنقلب عليه. ولو قارنا ذلك بما يجري في تركيا نلاحظ دقة في التخطيط واستراتيجيات واضحة وحكمة في الأداء وتكامل في الأدوار أهلهم للوقوف بقوة أمام كل المحاولات المتكررة والقوية التي استهدفتهم، وعلى الأرض نرى الإعمار في كل مكان والنهوض أوضح مما يحتاج إلى دليل، فتركيا التي كانت ولعقود تستدين من البنك الدولي هي اليوم وبفضل سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم الاقتصادية تقرض البنك الدولي وتشكل قوة اقتصادية يحسب لها ألف حساب عالميا. فالفرق الواضح بين حال الإسلاميين سياسيا هنا وهناك يجعل المقارنة غير موضوعية والنسخ محال.
- التشابه والاختلاف بين العلمانيين العرب والعلمانيين الأتراك:
من المعلوم أن الأطراف المتنافسة على إدارة البلاد لا تخلو من أطراف إسلامية وأخرى علمانية تختلف في الايديولوجيات والمنطلقات، وبالتالي تختلف في الأولويات والتخطيط والإدارة. والأطراف العلمانية في البلاد العربية تختلف تماما عن العلمانيين الأتراك رغم انطلاقهم من نفس الجذور الفكرية إلا أن الواقع مختلف، إذ بعد مضي كل هذه العقود نلاحظ هناك فرق واضح في تركيز الأفكار إذا صح التعبير فقد نجحت العلمانية التركية وفي عدة مدن تركية في خلق جيل كامل انسلخ انسلاخا تاما عن ماضيه وخصائص حضارته، وذاب ذوبانًا كاملًا بالنموذج الحضاري الغربي، فأصبحت نشأة الأجيال الجديدة تلقائية على هذه الأفكار، وأصبحت للعلمانية التركية مؤسساتها الضاربة في عمق المجتمع، وخاصة ما يتعلق بالمرأة فكرا وممارسة وفلسفة ولو قارنا هذا بواقع العلمانيين العرب لرأينا عدم تشكل كتلة اجتماعية واضحة تحمل الأفكار العلمانية رغم تأثيرها النسبي ورغم تبني بعض الأشخاص أفكارًا علمانية وخاصة فيما يتعلق بفصل الدين عن السياسة، رغم ذلك لا زالت شريحة هامة من المجتمع محافظة بشكل نسبي ولا زال النموذج الغربي لم يلحق الهزيمة النهائية بالنموذج الإسلامي، حيث اصطدمت الأفكار العلمانية بواقع يرفضها، وهذا الواقع متجذر بعمق كبير في المجتمع، وحتى العلمانيون رغم كل شيء لا يعلنون حربهم ضد النموذج الإسلامي فهم يؤمنون من حيث العموم بالأفكار المتأثرة بالإسلام، وخاصة فيما يتعلق بالقيم وقضايا المرأة، وعلمانيتهم تتركز بالجوانب السياسية وطريقة إدارة البلاد.
إذا كانت هذه الفروق الكبيرة والمتعددة الجوانب والواضحة بين واقع تركيا وواقع البلاد العربية رغم عدم تغطية كل جوانب الاختلاف فهل يصلح النسخ. وهل النسخ يصلح بين أجزاء البلد الواحد فضلا عن نسخه بين بلاد تقترب بشيء وتبتعد بأشياء؟
أليس من المفروض أن ندرس كل ظاهرة نجاح أو فشل دراسة تحليلية موضوعية عميقة ونترفع عن التقليد ونتحصن بالاقتداء الواعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس