ترك برس
رأى الكاتب والمؤرّخ المتخصص في التركي المعاصر، رئيس مجلس الأمناء في وقف العثمانيين للعلم والمعرفة "قادر مصر أوغلو"، أن "روسيا تسعى لإحياء روسيا القيصرية مجددًا، وفلاديمير بوتين متحمس ليكون القيصر، ولكن الكفاح والنضال في سوريا سيقضي على حكمه وسيكون كارثة له، مثلما قضى الكفاح في أفغانستان على الشيوعية".
جاء ذلك في مقابلة تلفزيونية على إحدى القنوات التركية، في معرض تقييمه للتطورات الأخيرة في العلاقات بين روسيا وتركيا على خلفية إسقاط الأخيرة مقاتلة روسية انتهكت مجالها الجوي عند الحدود مع سوريا نهاية الشهر الماضي، وقامت روسيا على إثر ذلك بفرض عقوبات اقتصادية ضدها.
وأشار المؤرخ التركي إلى أن "روسيا كانت تسعى منذ عهد القيصر بطرس الأكبر، للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، إذ تُعد كالفأرة المحبوسة في صومعة قمح، ولذلك فإن عليها الوصول نحو المياه الدافئة، مضيفًا أنه "عندما عجزت روسيا عن التحكم بالمضائق، جرّبت طرقًا أخرى للوصول إلى المتوسط، ولأجل ذلك اختارت هذه المرة محافطة اللاذقية (شمال غربي سوريا)".
ولفت إلى أن بوتين ذهب إلى إسرائيل قبل بدء الصراع مع تركيا، واستقبله نتنياهو من مكان جلوسه، ويقال لهذا الأمر، التلويح بالعصا من تحت الستار"، وأن "بوتين لا يستطيع الرد على هذا التصرف من خوفه، هل تظن أن هناك من لا يخاف اليهود؟، هناك رجل واحد وهو السيد طيب (الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان)، ولن تجد في العالم زعيمًا لا يخاف اليهود مثله".
الجدير بالذكر، أن المضائق التركية، تُمثّل المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود المغلق، وتمر عبرها نحو 20 سفينة تجارية روسية يوميًا، وتمثل السفن التجارية الروسية 40% من الحمولة المارة في المضيقين (البوسفور في إسطنبول، والدردنيل في جناق قلعة)، وقد طالب الاتحاد السوفييتي (السابق) أكثر من مرة بتعديل معاهدة مونترو بأن تشترك دول البحر الأسود جميعًا في الإشراف على الملاحة في المضايق.
ويتضمن مطلب الاتحاد السوفييتي، تدويل الممرات المائية الإقليمية للدول الصغيرة، لضمان بقائها مفتوحة أمام السفن الروسية التجارية والحربية في وقت السلم والحرب على حد سواء، وكانوا يؤيدون مطالب بلغاريا، التي كانت ضمن دول حلف وارسو السابق، في الحصول على جزء من تركيا ليصبح لها حق الإشراف على مضيقي البسفور والدردنيل، إلا أن الكتلة الغربية وتركيا رفضت هذا المطلب.
وبحسب تقرير لمركز ستراتفور الاستخباراتي الأمريكي، فإن المضائق هي أدوات قوية في يد تركيا بإمكانها أن تستخدمها ضد روسيا، ولكن أنقرة لا يمكنها بسهولة أن تغلق الأبواب مع روسيا، وتركيا هي ثاني أكبر مشتر للغاز الطبيعي الروسي، وهي مستورد كبير للنفط والمعادن الروسية وأكبر مشتر للقمح الروسي وزيت عباد الشمس، الخلافات العالقة مع روسيا تجلب ألما اقتصاديا هائلا للأتراك، وينطبق ذلك تماما وبشكل أخص في مجال الطاقة، خلافا للنفط والفحم أو القمح، والتي يمكن أن تحصل عليها تركيا من موردين بديلين، فإن تركيا ليس لديها بديل سريع وموثوق به للغاز الطبيعي، وهو مصدر مهم للطاقة من أجل الصناعة وكذا للمنازل والأسر، تزود روسيا تركيا بحوالي 55% من احتياجاتها السنوية من الغاز (حوالي 27 مليار متر مكعب من إجمالي 50 مليار متر مكعب).
وذكر التقرير أنه "من أجل الحفاظ على إمدادات قواتها في سوريا، كانت روسيا تعتمد على ما يعرف باسم «إكسبريس – سوريا» وهو طريق الإمدادات البحرية من سيفاستوبول على البحر الأسود إلى المنشأة البحرية شرق المتوسط في ميناء طرطوس السوري، بوصفها حارس البوابة للمضيق، يمكن لتركيا من الناحية النظرية أن تجعل هذا الطريق أكثر تعقيدا، في وقت السلم، فإن تركيا لا تزال تدعي أنها تحترم اتفاقية مونترو وتسمح لروسيا بحرية الوصول مع زيادة عمليات التفتيش على السفن المارة. مما يمثل إزعاجا حقيقيا لروسيا هي المادة رقم 20 من اتفاقية مونترو، التي تقول أنه في زمن الحرب، فإن تركيا كطرف محارب لها حرية التصرف الكاملة في المساحة أو منع مرور السفن الحربية عبر المضيقين، مما يجعلها قادرة على قطع طريق روسيا نحو البحر المتوسط.
ومع توتر العلاقات بين روسيا وتركيا، على خلفية إسقاط الأخيرة مقالتة حربية روسية من طراز "سوخوي24"، كانت قد انتهكت المجال الجوي التركي نهاية الشهر الماضي تشرين الثاني/ نوفمبر، وفرض روسيا اثرها، اجراءات اقتصادية على تركيا، توجهت أنظار العالم نحو الاجراءات التي يمكن أن تستخدمها تركيا ضد روسيا.
قال رئيس المجلس الإداري المؤسس في المجلس الدولي للجامعات، البروفيسور التركي "أورهان حكمت عزيز أوغلو"، إنه من حق تركيا إغلاق مضائقها على السفن الروسية، في حال دخل الطرفان في صراع، وذلك في معرض تقييمه لتوتر العلاقات بين روسيا وتركيا على خلفية إسقاط المقاتلة الروسية.
وأضاف عزيز أوغلو في حديثه لوكالة الأنباء التركية، الأناضول، أن "تركيا دولة لا تريد الاشتباك، وهناك عامل مهم يتعلق بردة فعل روسيا، حيث قامت أولًا بخلق مشكل جدية في أوكرانيا، والمجتمعات الغربية ردّت بشكل عنيف إلا أنها لم تفرض أية عقوبات ضدها، وهذا أدى إلى زيادة الجرأة لدى روسيا وألحقت بعدها شبه جزيرة القرم إلى أراضي، ولم تشهد عقوبات أيضًا، وهنا عاشت نوعًا من التمرد".
من جانبه الكاتب الصحفي التركي، إسماعيل ياشا، قال في مقال له بهذا الشأن، إنه "ليس متوقعا في ظل الظروف الراهنة أن تقدم تركيا على إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل في وجه السفن الروسية بحجة أنها مهددة بحرب لأن مثل هذا القرار بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، إلا أنها قد تلجأ إلى إعادة النظر في تسعير الخدمات المقدمة للسفن العابرة".
ولفت إلى أن "إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل نهائيا من قبل روسيا -إن افترضنا أنها قادرة على ذلك- يعني الانتحار من أجل معاقبة الخصم، ولا يفكر في خطوة كهذه إلا مجنون، لأنها قد تحرم تركيا من الاستفادة من المضيقين إلا أنها في الوقت نفسه تحرم روسيا نهائيا من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البوسفور والدردنيل، أي أن السفن الحربية والتجارية الروسية ستكون بحاجة إلى عبور المحيط وقطع مسافات طويلة جدا حتى تصل إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط".
يأتي ذلك على خلفية توتر العلاقات بين موسكو وأنقرة، بعد إسقاط الأخيرة مقاتلة حربية روسية من طراز "سوخوي 24"، لانتهاكها مجالها الجوي عند الحدود مع سوريا، نهاية الشهر الماضي، وقد وجّهت المقاتلتان 10 تحذيرات للطائرة الروسية خلال 5 دقائق، بموجب قواعد الاشتباك المعتمدة دولياً، قبل أن تسقطانها، وهي الحادثة التي فرضت موسكو على إثرها، عقوبات اقتصادية على تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!