عمار علي القطامين - خاص ترك برس

في السعودية إذا أراد شخص أن يمدح آخرا فإنه يقول: فلان ما يحتاج، والمقصود بها أن فلانا من الناس شخص جيد ولا يحتاج أن يمدحه أحد ولا يحتاج توصية من أحد. ويتم استخدام نفس التعبير لمدح عمل الشخص وإنجازاته، فيقال إن عملًا ما يحتاج للدلالة على جودة ما يقوم به.

منذ بداية الألفية وأنا أعمل في تسويق وبيع المنتجات الصناعية ومواد البناء، وقد عملت مديرًا تجاريًا في ثلاث دول وهي الكويت والأردن والسعودية، تعاملت خلالها مع مئات الشركات والمصانع من عشرات الدول من كافة أنحاء العالم، كانت دائما المصانع التركية في الطليعة ولها سمعة طيبة، فمنتجاتها تجمع بين الجودة والسعر وقصر وقت التوصيل. تعلمت من خبرتي هذه أن المصنع التركي ما يحتاج.

كلمة "صنع في تركيا" لوحدها هي شهادة جودة وبمجرد سماع هذه الكلمة يشعر المقاول أو الاستشاري بالطمأنينة والثقة، أتحدث هنا كمقاول وكمورد للمشاريع: الأمور تسير معنا بسهولة كبيرة عند تقديم وثائق التأهيل لأي منتج تركي، بينما نعاني الأمرين لو كان المنتج صيني أو هندي مثلا. وهذه حقيقة يعرفها أي شخص يعمل في مجال التوريدات الصناعية، وهي حقيقة واقعية يعتمد إصدار القرار فيها على المواصفات الفنية والسعر بدون أي مشاعر. إذا كنت مهندس ودرست مواصفات الأجهزة والمعدات التركية، فإنك سوف تعرف لوحدك أن التركي ما يحتاج.

في المشاريع نقدم العينات وشهادات الإختبار للمنتج التركي، يجب دائما أن يكون اعتماد المنتج حسب القوانين والأنظمة المتبعة في المشاريع. ونحن كوكيل حصري أو مورّد نشعر بالثقة التامة من المنتج التركي، وعلى عكس منتجات بعض الدول الأخرى فنحن لا نتوقع "المفاجآت القاسية" من المنتج التركي وقت التوريد !!. لسان حال العميل يقول: المنتج التركي ما يحتاج.

من الطرائف التي حدثت معي أنني تعاملت ذات مرة مع شركة صينية تنفذ أحد المشاريع في السعودية، في طلب الأسعار الوارد منهم كتبوا باللون الأحمر أن المنتج الصيني مرفوض!! ومرة أخرى تعاملت مع شركة هندية: أيضا ذكروا بوضوح أن المنتج الهندي والصيني مرفوض مسبقا، أما عندما تعاملت مع شركة تركية، فقد أكدوا أن الأولوية للمنتج التركي، ببساطة لأنهم يثقون في منتجاتهم، في الهندسة لا يصح إلا الصحيح. المقاول الصيني قد يرفض منتجات بلده والهندي أحيانا كذلك، أما المقاول التركي فيقولها بثقة: التركي ما يحتاج

أتحدث الآن كمستهلك: في السعودية قد ترى حلاق هندي أجرته 15 ريال يجاوره تماما حلاق تركي أجرته 25 ريال، رغم أن "المنتج" هو نفسه، ولكن عدد الزبائن عند الحلاق التركي أكثر !! تسمع الكثير من الشباب هنا يتفاخرون بقولهم: أنا ما بحلق إلا عند حلاق تركي، الحلاق التركي ما يحتاج.

السوق السعودية تعج بآلاف الأشكال والألوان من الطعام والشراب من كافة أنحاء العالم، ولكن المنتج الغذائي التركي له مكانة استثنائية. فالمنتجات التركية من الألبان والأجبان والبسكوت والشوكولاته لها حصة سوقية كبيرة، عندما يوصف أي طعام بأنه "تركي" فهذا يعني تلقائيا أنه صحي وشهي، وهذا له ثمنه فالوجبة العادية في أي مطعم متوسط حوالي 25 ريال، أما إذا كان المطعم تركي فإن نفس الوجبة تباع ب 35 ريال، المطعم التركي ما يحتاج.

الملابس التركية هي الأفخم و"الأشيك"، إذا دخلت محل أحذية وأراد البائع أن يقنعك بشراء حذاء أو نعال فتوقع أن يقول لك: طال عمرك هذا جلد تركي. شخصيا أهتم بالبدلات والجاكيتات التركية فهي فاخرة وأنيقة، بعد التجربة أؤكد لكم أن الجكيت التركي ما يحتاج.

سكنت في مدينة ينبع السعودية لمدة أربع سنوات، هناك يوجد مطار اقليمي صغير، كانت الخطوط الجوية التركية تشكل المنفذ الوحيد من مدينة ينبع إلى دول أوروبا كما أن الخطوط التركية هي الوحيدة التي تسيّر رحلاتها من هناك باتجاه الشمال. الطيران التركي ما يحتاج.

في المدينة المنورة تم إنشاء أول مطار إقليمي في السعودية يعمل بنظام "البي أو تي" وهو تحفة فنية ومعمارية مدهشة ويشكل مقدمة لسلسلة مطارات عصرية سوف يتم بناؤها قريبا، تم تنفيذ هذا المطار من قبل شركة تركية. المطار التركي ما يحتاج

نادرا ما ترى خليجي لم يزر تركيا للسياحة، الرحلات إلى تركيا تمتلئ قبل الإجازة بأسابيع، وكل السياح يقولون لك: السياحة في تركيا ما تحتاج.

الآن تريد روسيا أن تعاقب تركيا بحصار اقتصادي، لا أعرف من يحاصر من ؟؟ ومن يعاقب من ؟؟

بعد عقد ونصف من العمل التجاري والتعامل مع مئات الشركات، أستطيع أن أؤكد أنني لم أتعامل مع أي شركة روسية في حياتي وحتى كمستهلك لم أشتري أي منتج روسي ولا أتذكر أنني شاهدت منتج روسي في السوق، كل ما أعرفه عن المنتجات الروسية هو ما أسمعه من زميلي "الفاضل" أبو تركي الذي يتردد كثيرا على دبي - لوحده من غير الأهل! - ، وفي كل مرة يعود فيها من هناك ترتسم على وجهه العبوس ابتسامة نادرة ويقول: المسّاج الروسي ما يحتاج!

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس