عزام سعد - خاص ترك برس
عندما تحل الحرب يحل الخراب والدمار، ومن هنا عن أية تنمية نتحدث؟
تعصف الحروب والفوضى اليوم بعالمنا العربي، مما انعكس سلباً على التنمية في البلاد العربية، فلا صحة ولا تعليم، بل إن بعض النازحين لا يجد رغيف الخبز ليقتات به، فما الذي نعنيه بالتنمية في زمن الحرب؟
هناك حكاية تاريخية عند اليابانيين حدثت في أول عصر النهضة اليابانية: تروي أنه في أعقاب إحدى الحروب دمرت مقاطعة ( ناجاواكا ) تدميرا شاملا، و أصبحت حقول الأرز حقولا متفحمة، فافتقر سكان المنطقة إلى أبسط مقومات الحياة، فقامت إحدى المقاطعات اليابانية (ميني ياما ) بإرسال مئة كيس من الأرز كإغاثة الى المقاطعة المنكوبة، فانتظر سكان المقاطعة توزيع المعونة عليهم، لكن حاكم المقاطعة لم يقم بتوزيعه، إنما قام ببيع الأرز، ليشتري بثمنه كتبا و بعض الأدوات الخاصة بالدراسة والتعليم، وأسس مدرسة اشتهرت فيما بعد بالعلوم الطبية، والعلوم التطبيقية، وتخرج منها الآلاف من الذين شاركوا في بناء نهضة اليابان وساهموا في وصولها الى ما هي عليه اليوم.
وهذا يدل على أن اليابانيين قد فهموا جيداً معادلة – ارتكاز التنمية على الانسان - فحين خاضت اليابان الحرب العالمية الثانية، وانتهت الحرب باستسلامها، خارجة منها مدمرة منهكة، سرعان ما عادت الى الواجهة، واليوم هي ثالث أكبر دولة اقتصادية في العالم، على الرغم من ندرة الموارد الطبيعية، والسر في ذلك هو الإنسان الذي يمتلك الإرادة والعزيمة، إلى جانب تسلحه بالعلم والمعرفة .
المقصود بالتنمية في زمن الحرب، هو بناء الإنسان وتنمية ذاته.
وللأسف الشديد، ينظر إلى الإنسان في عالمنا العربي، وفي بعض بلدان العالم الثالث، على أنه عبء ثقيل على التنمية والاقتصاد، بينما تختلف النظرة في البلدان المتقدمة إذ ينظر إليه على أنه عماد الاقتصاد، بل هو الثروة الحقيقة بعينها.
هناك أكثر من 300 ألف شهيد سوري منذ أن بدأت الثورة عام 2011 للميلاد، وأكثر من 9 مليون نازح داخل سوريا وخارجها، ومعظم هؤلاء النازحين محرومون من أبسط مقومات الحياة، وبالطبع هذه أرقام صادمة وتبعث على الأسى .
لكن مع كل محنة منحة، ومع اشتداد اليأس لابد من الأمل، وتركيا التي يعيش فيها 2 مليون نازح هي مبعث الأمل بالنسبة إلى السوريين، إن الحكومة التركية تنظر الى القضية السورية من منظور استراتيجي، فالحديث عن تأمين الطعام والشراب الى النازحين لم يعد الحديث الشاغل بالنسبة إليها، بل تجاوزت ذلك الى التركيز على توفير سبل التعليم للطلاب، وتدريب العمال السوريين، وبناء وإعداد الكفاءات السورية في مختلف المجالات، للمساهمة في بناء سوريا ما بعد الحرب.
وهذا التفكير الاستراتيجي هو عين ما نحتاجه، ولا بد من شكر الحكومة التركية على جهدها المبذول تجاه الأخوة السوريين، ونتمنىمن الدول الأخرى التي تستضيف اللاجئين السوريين أن تحذو حذو تركيا في تعاملها مع اللاجئين.
بلغ عدد الطلاب السوريين من كافة المراحل الدراسية الذين يتلقون تعليمهم في المدارس التركية 300 ألف طالب، ووزارة التعليم الوطني تسعى جاهدة لاستقطاب كل طالب سوري إلى النظام التعليمي التركي، بحسب نائب مستشار وزير التعليم الوطني التركي. كما ستبدأ تركيا بتدريب العمال السوريين وفق النموذج الألماني بدءا من العام القادم، بالإضافة الى توظيف أعداد كبيرة من الباحثين في الجامعات التركية في سائر العلوم والتخصصات
إن حجم المأساة السورية كبير جدا، ومعاناة شعبنا السوري لا يمكن وصفها بالكلمات، لكن الحرب الدائرة في سوريا لا بد من أن تنتهي يوما ما، وستستنشق سوريا عبير الحرية، وسيعود النازحون الى ديارهم، ليكونوا عماد النهضة في بلادهم، بما يحملونه من علم ومعرفة وخبرات مكتسبة.
هناك نموذج آخر من عالمنا العربي، يتمثل في شعبنا الفلسطيني الذي ضرب مثلا رائعا في تحدي الصعاب متخذا من التعلّم أولوية، فنسبة الأمية في فلسطين تعدّ منخفضة بالنسبة إلى العالم، وحققوا نجاحات كبيرة على مختلف الأصعدة، فمنهم الأطباء والمهندسون والفنيون والإعلاميون والمخترعون، بالإضافة إلى السياسيين. وأصبحوا مثالاً رائعاً للتفاني والجد، وتكاد لا تجد علما من أنواع العلوم المختلفة إلا وللفلسطينيين فيها نصيب.
إن الإنسان مطالب بأن يقوم بالأسباب، حتى في أشد حالات اليأس، فإن مع العسر يسرا، ففي الحديث الشريف ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)ر واه البخاري وأحمد.
يقول الأستاذ محمد قطب "فلا يأس مع الحياة، والعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة واحدة بسبب اليأس من النتيجة، فحتى حين تكون القيامة بعد لحظة، حين تنقطع الحياة الدنيا كلها، حين لا تكون هناك ثمرة من العمل؛ حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل، وعن التطلع للمستقبل.
وبمثل هذه الروح الجبارة تعمّر الأرض حقاً، وتشيّد فيها المدنيات والحضارات... يغرسون الفسيلة ولو كانت القيامة تقوم اللحظة، فإنما عليهم أن يعملوا، وعلى الله تمام النجاح".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس