عزام سعد - خاص ترك برس
تعتبر الأزمات محكًا مهمًا وخطيرًا في نفس الوقت كونها تكشف نوعية القيادة ومستوى الأداء في مختلف المؤسسات؛ فالتعامل مع الأحداث الاعتيادية قد يكون سهلًا ويمكن التحكم فيها والتقليل من خطورتها عبر التنبؤ وإعداد الخطط وغيرها؛ لكن إدارة الأزمات والعمل على الحد من تأثيراتها تحتاج إلى قادة ملهمين ذوي مهارات خاصة وقدرات متعددة؛ ولذلك تعد الأزمات من أهم الفرص لاكتشاف وصناعة القادة.
كانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية حدثًا مهمًا كانت له تداعيات خطيرة؛ وكان على تركيا التعامل مع هذه الأزمة من منطلقات عدة؛ ونظرا لتداخل كثير من العوامل مما صعب إدارة هذه الأزمة فإن القيادة التركية أظهرت قدرا كبيرا من الكفاءة والاحترافية العالية في إدارتها؛ فحين كان الموقف الروسي غاية في التخبط كان الموقف التركي يتسم بعدة سمات أهمها:
- وضوح وثبات الموقف: فمنذ اللحظة الأولى لإسقاط الطائرة أعلنت تركيا أنها أسقطت طائرة مجهولة الهوية أخترقت الاجواء التركية ليتبين فيما بعد أنها روسية ؛ وسارعت الى تبني مسؤوليتها عن الحادثة ؛ فحين غيرت روسيا روايتها للحادثة أكثر من مرة كانت الرواية التركية واضحة وثابتة دون تغيير.
- الحزم: كان الحزم يغلب على الخطاب التركي في التعامل مع الأزمة الذي أكد على أن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها وأنها غير مستعدة للتنازل عن سيادتها مهما كلف ذلك من ثمن؛ فحين حاولت روسيا لي ذراع تركيا واستغلال حادثة سقوط الطائرة وتوظيفها على أكثر من صعيد للحصول على اعتذار من تركيا لإرضاء كبريائها لكن الرد التركي كان صارمًا وحازمًا.
- التواصل مع الحلفاء: باشرت تركيا بإجراء اتصالات بزعماء دول حلف الناتو لاطلاعهم على ملابسات الحادثة والاجراءات المتخذة من قبل تركيا وهذا اجراء مهم لأن تركيا عضو في الحلف وتعتبر الحلف قوة ردع مهمة بالنسبة لها.
- حشد الدعم الشعبي: ظهر ذلك جليا من تحركات الرئيس التركي وزيارته لعدد من المدن التركية وعقد لقاءات جماهيرية لاطلاع الشعب التركي على تفاصيل الحادثة وفي ظرف كهذا فان الرأي العام المحلي مهم جدًا لضمان اصطفاف الشعب وراء القيادة.
- الشفافية: تعاملت تركيا مع قضية إسقاط المقاتلة التركية بشفافية مطلقة منذ وقوع الحادث مبينة بأنها تعاملت مع الطائرة وفق قواعد الاشتباك، ثم عرضت تسجيلات صوتية لتحذير الطيارين قبل إسقاط الطائرة؛ كما أعطت شرحًا كاملًا حول كيفية إسقاط الطائرة ونوع الطائرات المستخدمة وكذا نوعية السلاح المستخدم في العملية.
- تقاسم الأدوار: فحين كانت تصريحات الرئيس التركي يغلب عليها التصعيد والمواجهة كانت تصريحات رئيس الوزراء تدعو إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار؛ بينما عقد وزير الخارجية لقاء بنظيره الروسي في بلغراد.
- إيجاد البدائل: لجأت روسيا إلى العقوبات الاقتصادية؛ ولحساسية هذا الملف وخاصة موضوع الطاقة بادرت تركيا إلى عقد اتفاقيات مع كلا من قطر وأذربيجان لتزويد تركيا بالغاز وكذا التسريع ببناء خط أنابيب الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا كبديل عن مشروع السيل التركي الذي أوقفته روسيا وكذا البحث عن أسواق جديدة للمنتجات التركية التي ستتضرر من العقوبات الروسية وتعويض رجال الأعمال الأتراك المتضررين من العقوبات.
- الاستعداد للطوارئ: في الساعات التي تلت الحادثة مباشرة وضعت تركيا الجيش التركي في حالة طوارئ استعدادا لأي طارئ قد يحدث، وأرسلت تعزيزات إلى الحدود السورية للتصدي لأي محاولة اختراق برية أو جوية عبر حدودها الجنوبية المحاذية لسوريا.
- الثقة: كان تعامل القيادة التركية في الأزمة على مستوى عال من الثقة؛ فحين كان أول ظهور لبوتين بدا محبطًا وعليه أثار الصدمة؛ كان الرئيس أردوغان واثقًا كالعادة في خطاباته وكأن شيئًا لم يحدث؛ كما تبدو الثقة أيضًا في نبرة الخطاب التركي الذي كان هادئًا متزنا منطلقا من الحق في الدفاع عن النفس واحترام السيادة الوطنية بغض النظر عن حجم المعتدي أو قوته.
بقي أن أشير إلى أن الأزمات قد تكون لها مردودات إيجابية ولعل منها على سبيل المثال في الحالة التركية هي أن تركيا ستبدأ في تنويع مصادر الطاقة لديها وكذا البحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها والتقارب مع دول أخرى والتركيز على أهمية وجود قوة ردع تركية؛ كما أظهر هذا التحدي تركيا كلاعب مهم على الساحة الاقليمية والدولية ولاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس