جلال سلمي - خاص ترك برس

بدأت القوات الروسية الثلاثاء الماضي، 15 آذار/ مارس 2016، الانسحاب من سوريا، عقب إيعاز الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لوزير دفاعه ببدء عملية الانسحاب، مدعيًا أن قواته تمكنت من إنجاز أهدافها في سوريا.

ولم يمضِ سوى أسبوع أو أقل على بدء عملية الانسحاب الروسي، حتى أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وثلة من المنظمات الأخرى المساندة له، إعلان إقامة الفيدرالية الكردية في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، والتي تمتد لما يقارب 400 كيلومتر على طول الحدود السورية مع تركيا، حسب ما تبيّنه قناة "بي بي سي" عبر موقعها الإلكتروني.

هذا وقد واجه إعلان الفيدرالية الكردية الرفض الشديد من قبل النظام السوري وقوات المعارضة وروسيا، وكما حذرت تركيا القائمين على إعلان الدولة، موضحة ً أن وحدة سوريا مهم للمنطقة، وأن تركيا لن تسمح، إطلاقا ً، لأي جهة بتقسيم سوريا.

وإطلاعا ً على رؤى المحللين السياسين فيما يتعلق بذلك، أفاد الخبير السياسي "أفق أولو طاش" بأن ثمة تحركات لم تكن متوقعة قد جرت في سوريا مؤخرا ً، على رأسها الانسحاب الروسي المفاجئ الذي لم تسبقه أي بوادر ميدانية تشير إليه، كما أن استثناء حزب الاتحاد الديمقراطي من مؤتمر جنيف، وعدم الاعتراف بالدولة الفيدرالية التي أعلن عنها في شمال سوريا، من قبل أي طرف دولي، جميعها تطورات تستدعي التحليل المعمق.

جاء ذلك في مقال له بعنوان "الانسحاب الروسي والفيدرالية الكردية"، نُشر عبر صحيفة "أقشام" بتاريخ 19 مارس 2016، حيث أوضح أيضا ً أن الانسحاب الروسي تحدث عنه مسؤولين روس رفيعي المستوى قبل ما يقارب 7 شهور، في أحد الاجتماعات التي جمعت مسؤولين روس وأتراك ودوليين، ولكن لم يقتنع الكثير من الحاضرين بهذا الحديث، وظنوا أن الروس يحاولون كسب ثقتهم دبلوماسيًا فقط، مضيفًا أن الانسحاب الروسي إذا كان مفاجئًا أو غير متوقع بالنسبة لنا، فقد كان متوقعًا جدًا بالنسبة للقادة والمحللين الروس.

الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أكّد خلال إعلانه عن عملية الانسحاب أن أهداف الحملة العسكرية تحققت، وبالفعل عند النظر إلى التغيّرات الميدانية نُلاحظ أن التدخل الروسي أحدث قلب بالموازين لصالح النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي، حيث أمسى الساحل السوري برمته تحت سيطرة النظام، وسيطر الاتحاد الديمقراطي على منطقة جغرافية واسعة في الشمال السوري، حتى وصل إلى مركز حلب، ولكن يبدو أن الروس قبل أن ينسحبوا نسوا نقطة أساسية وهي القضاء على داعش، تلك النقطة التي شكلت الهدف الأساسي للتدخل الروسي.

يساورني الشك في مصداقية إعلان روسيا عن رفضها للفيدرالية الكردية، وأعتقد أنه ليس في محل ثقة وجدية كافية، وذلك لأن سوريا الفيدرالية أصبحت تعتبر الحل الأمثل لروسيا التي باتت توقن أن سوريا الموحدة تحت قيادة واحدة أمر لا يمكن حدوثه في الوقت الراهن، والساحل السوري هو المنطقة التي تفي بالغرض بالنسبة لروسيا، وعلى الصعيد الأخر، ترفض إيران ونظام الأسد الدولة الفيدرالية بشدة، لتصورهم بأن هذه الخطوة ستشكل لهم مخاسر فادحة، إذ ترغب إيران وبشدة إبقاء السيطرة الكاملة على الحدود السورية التركية تحت أيديها، لتشكيل نقطة ضغط حيوية ومستمرة على تركيا، ولا ترغب في فقد تلك النقطة الحيوية.

في ظل الرفض التركي والإيراني والسوري "نظام الأسد، قوات المعارضة السورية" الشديد لإقامة الفيدرالية الكردية، وفي ظل انسحاب التغطية الجوية الروسية من سوريا، فإن إمكانية استمرار حزب الاتحاد الديمقراطي في تحقيق أهدافه أمر يميل إلى الخيال أكثر من الواقع، حيث أضحى الانسحاب العسكري لروسيا يشكل نقطة ضعف لحزب الاتحاد الديمقراطي، وحتى إن ضغطت روسيا على النظام وإيران وقوات المعارضة للقبول بالنظام الفيدرالي، فإنه من الصعب جدا ً لهم القبول بمثل هذه الخطوة التي تضر مصالحهم وإن كانت مختلفة.

تركيا لن ترضى بمثل هذا التهديد الاستراتيجي الذي يغذي مطالب الانفصال لدى حزب العمال الكردستاني، مهما كان الثمن. وعلى ما يبدو أن التحرك التركي الإيراني والتركي السعودي النشط الذي ظهر للسطح في الفترة الحالية، سيكفل كبح قيام الفيدرالية الكردية في شمال البلاد.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس