محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
في عام 1999 تقدمت تركيا بطلب رسمي الى الاتحاد الأوروبي في أثناء انعقاد القمة الأوروبية في هلسنكي لغرض المباشرة بإجراء المفاوضات مع الجانب الأوروبي بغية حصولها على عضوية الاتحاد، وفي عام 2004 حصلت موافقة الاتحاد الأوروبي على إطلاق مفاوضات الانضمام مع الجانب التركي اعتبارا من عام 2005.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذا اليوم طرأت متغيرات كثيرة على الصعيد المحلي التركي في الجوانب الإصلاحية بدأ بالتعديلات الدستورية وتشريع القوانين وإصدار القرارات التي تكتسب قوة القانون والتي كانت تدعم التوجه الاصلاحي للدولة في ميادين الحريات والعمل السياسي والحريات الفردية الشخصية وحرية الأعلام والصحافة والرأي ومرورا بالإصلاحات المتعلقة بالتجارة وحرية حركة رؤوس الأموال وانتهاء بكافة الإصلاحات الإدارية والمتوافقة مع مطالب الاتحاد الأوروبي.
في هذه السنين العشرة استطاعت تركيا أن تتبوأ المراكز الأولى على الصعيد الأوروبي في النمو الاقتصادي وتحولت من دولة مثقلة بالديون إلى دولة دائنة وتضاعف الدخل الفردي أضعافا مضاعفا إضافة إلى الدخل القومي الإجمالي وأصبحت واحدة من أغنى عشرين دولة في العالم.
لكن نظرة بسيطة إلى كرونولوجيا المعوقات التي كانت تفرضها دول الاتحاد الأوروبي لأسباب واهية في معظمها لغرض المماطلة في سبيل إيقاف فتح فصول جديدة للتفاوض رغم أن الدول الأوروبية قد تعهدت منذ البداية بأنها لن تؤخر وتعيق فتح فصول للتفاوض بدوافع سياسية إلا أن الحقيقة أثبتت ذلك وخصوصا من بعض الدول كفرنسا مثلا التي صرحت بأنها لن تسمح بفتح خمسة فصول للمفاوضات وذلك عام 2007، وأيضا قبرص التي أعلنت أنها ستعرقل فتح ستة فصول للتفاوض بسبب الخلافات السياسية بينها وبين تركيا، هذه المماطلات والتي أصبحت محل استهجان للمراقبين الدولييين وكذلك للساسة بسبب وضوح النهج الأوروبي غير الشفاف خلال تعامله مع الملف التركي في المفاوضات لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن قد طلب صراحة من القادة الأوروبيين أن يعلنوا موقفهم من القضية بكل شفافية وأن يقبلوا تركيا كعضو في الاتحاد ما دامت قد استوفت شروط الانضمام إليها ولكن القادة الأوروبيين لم يكونوا مستعدين للإجابة سوى أنهم لا يستلمون أوامرهم من خارج الاتحاد.
لذا فإن أي متتبع للقضية التركية ومسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي لا بد أن يدرك أن القضية سياسية وفكرية وأيدولوجية معا وبامتياز وأن هناك مخاوف حقيقية على مستقبل أوروبا بعد انضمام تركيا إليها نلخصها بالتالي:
1- إن انضمام تركيا إلى القارة العجوز يعني دخول مواطني دولة جل أفرادها من الشباب ابتداء من سن المراهقة وحتى عمر الخمس وأربعين وبأعداد هائلة وما سيؤثره على أوروبا من النواحي الاجتماعية والثقافية والفكرية.
2- معارضة بابا الفاتيكان لانضمام تركيا جاءت أيضا بسبب خشيتها من تغيير الواقع الديموغرافي لأوروبا.
3- والسبب الثالث أن أوروبا التي ماطلت كل هذه الفترة كانت لا تدري أن تركيا قد تستخدم العصا السحرية في نمو اقتصادها وهذه معضلة جديدة لها لانها لا تحبذ عضوا جديدا تكون ندا لها وهي تمتلك قدرات اقتصادية هائلة بشرية أو مادية مع نسبة نمو وتضخم مثالية في الوقت التي تعاني معظم أعضائها من تردي اقتصادي وعجز مالي مع توقف عجلة النمو بصورة كاملة.
ومن هنا أن بطئ موافقة الاتحاد الأوروبي وتأجيلها لسنوات قد أضرت القارة الأوروبية بصورة مباشرة بسبب ظهور البون الشاسع بين نمو قدرات تركيا مع تراجع شديد للقدرة الاقتصادية لبعض دول الاتحاد، ولأن أوروبا تدرك تماما أن لا مناص من قبول تركيا كعضو في الاتحاد.
أتت مباحثات رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الأخيرة مع القادة الأوروبيين حول مسألة اللاجئين الأوروبيين مسألة مهمة ربما غابت عن كثير من المراقبين وهي أن تركيا التي هي الآن على أسوار أوروبا تستطيع تسلقها في إحدى الحالتين، أولها أن تكون أوروبا ضعيفة لدرجة أن تستغيث بها أو أن ترى من تركيا منقذ حقيقي وصادق لأزماتها المتكررة سواء بالنسبة للاجئين أو بالنسبة للمسائل السياسية أو التحديات الاقتصادية التي تعانيها، هذه المفاوضات والتي استمرت لساعات طوال مع الأوروبيين في الوقت الذي كانت فيه صدى مدافع أردوغان وكما عبر عنه الاستاذ أحمد منصور الخطابية تصم آذان المناوئين لمقترحات الأتراك حول المسألتين معا مسألة اللاجئين ومسألة فتح فصول جديدة للمفاوضات مع تركيا.
إن انهيار جدار الاتحاد الأوروبي أمام تركيا بهذه السرعة يذكرنا بالأحداث المتلاحقة التي سبقت جدار برلين والتي انتبهت إليها مستشارة ألمانيا وهي السياسية الوحيدة ربما التي أدركت ضعف الجانب الأوروبي بدون التنسيق مع تركيا في حل أزماتها، والقبول بالشروط التركية حول السماح للمواطنيين الأتراك بدخول أوروبا بحرية تامة وبدون تاشيرة هي عبارة عن صك اعتراف لتركيا وحجز مقعد في منظمة الاتحاد الأوروبي.
وهنا يجب أن ندرك ولا نستبق الأحداث أن هذه الاتفاقية حول دخول المواطنيين الأتراك إلى أوروبا بحرية تامة هي التفاف ذكي وماكر من قبل القيادة التركية التي يديرها الخطيب أردوغان وصاحب العمق الاستراتيجي ثعلب الأناضول داود اوغلو، وبالتالي فاننا ربما نسمع أن أوروبا هي التي تدعو تركيا لفتح وإكمال باقي فصول ملف المفاوضات مع تركيا، ربما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس