ولاء خضير - خاص ترك برس
ذاع صيت الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي بين الأتراك، بوصفه رمزًا لأدب الرحلات، لكنه لم يكن معروفًا بالقدر الكافي بين العرب والمسلمين، رغم أنه جال زمنيا وجغرافيا، أكثر من الرحالة العربي الأشهر عالميا "ابن بطوطة".
ويُعد الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي، من أشهر الرحالة على مستوى العالم، وكُتب رحلاته، تقع في عشرة أجزاء ضخمة، صوّر خلالها الحياه الاجتماعية، والوصف الجغرافي، وحتى العادات والأمراض المنتشرة في تلك الأماكن، مما يدل على سعة اطلاع الرحالة عن التاريخ والثقافة الاسلامية، وينم عن ذاكرة قوية.
وشملت رحلاته ثلاث قارات، وهو ما يجعل الرحالة التركي أكبر الرحالة المسلمين، من حيث المدة الزمنية التي جال فيها في الاقطار والبلدان، وقد ترجمت أعماله تقريبا الى كل لغات العالم، واستمرت رحلاته أكثر من 44 عاما، زار خلالها أكثر من 30 بلد.
حيث أمضي الرحالة والعالم العثماني أوليا جلبي (1611–1684) حوالي أربعين سنة من حياته، مرتحلاً في البلاد العثمانية، وغيرها من البلاد المجاورة، وقد قضى في القاهرة عشر سنوات، وزار الشام، والسودان، وبلاد الحبش، وزار الحجاز، لأداء فريضة الحج، حيث كان عالمًا، وحافظا القرآن.
وققد سجــل أوليا جلبي رحلاته ومشاهداتـه في كتابه الشهير "سياحتنامة"، أي كتاب السياحة، وهو من عشرة مجلدات تحتوى على عشرة آلاف صفحة، فهو من أغزر المؤلفين العثمانيين إنتاجًا.
لم يكن الرحالة التركي أوليا جلبي أقل من نظرائه العرب والمسلمين، خصوصا الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة، وأصبحت مؤلفاته، ومن أهمها كتاب "سياحتنامة"، مركز اهتمام عدد كبير من المستشرقين، والمؤرخين، والجغرافيين، والمختصين في علم الاجتماع، نظرا لما تحتويه من معلومات دقيقة عن البلدان التي قام بزيارتها.
وأرجعت بعض المصادر عدم شهرة الرحالة التركي أوليا جلبي لدي العرب، إلى أن كتاب"السياحتنامة" الذي ألفه، ويقع في 10 مجلدات، كتبه بالتركية وليس باللغة العربية، وهي اللغة التي كانت الموئل الأول لأدب الرحلات وعلم الاستشراق.
وسبق وأن احتفت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، بمرور 400 عام على ميلاد الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611- 1683)، الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي ضمن عشرين شخصية خدمت الثقافة الإنسانية، وهو ما جعل هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية الرسمية "تي آر تي"، تباشر بإنتاج مسلسل تلفزيوني وثائقي، على شكل درامي، عن حياة هذا الرحالة.
وقد ولد أوليا جلبي، في عام 1611 ميلادي في مدينة إسطنبول، التي كانت تعرف حينذاك بـ"اسلام بول"، وكان والده درويش محمد ظلي، حرفيا ونقاشا ماهرا في الذهب والمعادن، وهو من صنع المزراب الذهبية المشهور للكعبة المشرفة، لتصريف المياه، والتي ما زالت محفوظة في متحف مكة، وعاصر أبو الرحالة 10 سلاطين عثمانيين، على امتداد عمره الذي ناهز 115 عاما.
وبسبب شغف والده بالفنون الحرفية، إلى جانب العلوم الدينية، تلقى الرحالة أوليا جلبي الدروس الدينية، وحفظ القرآن على مدار سبع سنوات من سنين عمره الأولى، وتابع تعليمه في مجال العلوم الأخرى، وتعلم على يدي أبيه عددا من الفنون الحرفية، من أبرزها فن الخطاطة، وهو الفن الذي كان سائدا ومشهورا إبان العهد العثماني.
ويعد كتاب سياحتنامه لأوليا جلبي، المؤلف من عشرة أجزاء، أحد أهم المصادر في دراسة أدب الرحلات في العهد العثماني، الذي كتب أساسا للتعريف بالمدن، والبلاد التي زارها جلبي في رحلته التي استغرقت نصف قرن من الزمن.
وتضمن المجلد الأول، تفاصيل عن مدينة إسطنبول، ومناطقها، وأشار فيه إلى تاريخ نشوء المدينة، والشخصيات البارزة فيها، وكذلك الأحداث التي شهدتها، خصوصا معركة فتح القسطنطينية، على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، في القرن 15 الميلادي.
كما تضمن مجلداته، للحديث عن الرحلة التي قام بها الى مدينة بورصا، وهي أول عاصمة للعثمانيين، قبل الانتقال إلى إسطنبول، وتضمن سردا مفصلا عن أبرز معالمها التاريخية والدينية، وأهميتها بالنسبة للإمبراطورية العثمانية.
كما احتوى المجلد على مشاهدات الرحالة لحياة سكان مدن تركية أخرى، وهي طرابزون، وأرضروم، بالإضافة إلى مدن في أذربيجان، وجورجيا، حينما كانتا تخضعان لسلطان الدولة العثمانية.
وضم أيضا سردا للحياة اليومية في مدن إيرانية من حيث العادات والتقاليد، والمعالم التاريخية والدينية والآثار الموجودة فيها.
وكما خصص أكثر من مئة صفحة، للحديث عن رحلته إلى الديار المقدسة، لأداء فريضة الحج، وسرد المعلومات المفصلة عن المناطق التي رآها خلال هذه الرحلة المقدسة، وعن القبائل التي كانت تعتني بقوافل الحج.
وقد خصص جلبي المجلد العاشر، للحديث فيه عما رآه في مصر، والحالة العمرانية والحياة الاجتماعية فيها، وتطرق إلى تاريخها، مستعرضا الدول التي حكمتها، خاصة فترة الدولة العثمانية، حيث وصف النظام الإداري الذي اتبع خلال هذه الفترة.
كما أولى اهتماما بالغا بالحِرّف والتجارة في هذا البلد، وذكر بشكل مفصل الوضع الاقتصادي والتجاري لمصر في تلك الفترة، كذلك نهر النيل.
كما أن الرحالة التركي، قدم وصفا لآثار القاهرة، سواء تلك االآثار التي شيدت في العصر العثماني، أو ما قبل ذلك العصر، وقد استفاض في وصف الزوايا، ومساكن الصوفية بصفة عامة، والتكايا العامرة في القاهرة بصفة خاصة، فأشار إلى 43 تكية، أسهب في وصف بعضا منها.
وبهذا قضى الرحالة أوليا جلبي 44 عاما في الترحال والتنقل، زار خلالها أكثر من 30 دولة، وهي روسيا وألبانيا وبلغاريا واليونان ورومانيا ويوغوسلافيا والمجر وتشيكوسلوفكيا والنمسا وبولندا وإيران والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والسعودية ومصر والسودان والحبشة والصومال وجيبوتي.
وحظيت مجلدات سياحتنامة بالاهتمام الفني والأدبي داخل تركيا وخارجها، لا سيما في الدول الاوروبية، إذ ترجمت بكاملها إلى الألمانية والروسية والانجليزية والفرنسية واليونانية والأرمينية، في حين لم يترجم منها سوى فصول معدودة إلى العربية، وهو ما يفسر عدم شهرة الرحالة أوليا جلبي درويش، بين الناطقين بالعربية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!