محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

اليوم الكل يتحدث عن مسألة التقسيم في سوريا وكأنها أمر واقع وبعضهم استند إلى أقوال وأفعال دول أو زعماء أو ما ينو ب عنهم، وأول من ألمح إلى هذه الفكرة هو نائب وزير الخارجية الروسي  سيرغي يابكوف في 29 شباط/ فبراير 2016 وجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية  الذي قال يمكن أن يكون التقسيم حلا وهذا ما ألمح إليه ديمستورا أيضًا. ولكن السؤال المطروح هل يمكن تقسيم سوريا فعلًا أم أنه حلم من الصعب نواله؟ كل الذين كتبوا في هذا السياق لم يكونوا مطّلعين على البنية الجغرافية السورية من جهة وعدم معرفتهم بتوزّع السكان الديموغرافي للمناطق السورية من جهة أخرى، واعتمادهم على ما نشر سابقًا في الصحف ومحركات البحث وتحليلات الغرب، ولو تأملوا بالواقع السوري  لعرفوا استحالة التقسيم وكل من جزم بأن سورية ذاهبة إلى التقسيم فقد وهم وأوهم نفسه بذلك.

فقد عمل الرئيس السابق حافظ الأسد على تغير جذري بالديموغرافيا السورية في عهده البائد فقام بنقل النصيريين من  مناطق تواجدهم في جبال الساحل السوري وتوطينهم في الأماكن الأكثر حضارة ومدنية ظنًا منه أنه يؤدي خدمات جليلة لطائفته وكان من وراء هذا العمل عدة أسباب منها 1- التحكم بمفاصل الدولة من غربها إلى شرقها ومن شمالها إلى جنوبها 2- انتشال أبناء الطائفة من الفقر المتقع والبدائية إلى عالم الغنى والسلطة والمدنية 3- توزيع أبناء الطائفة على مناطق متفرقة وتشتيتهم حتى لا يفكروا بالثورة عليه مستقبلًا من أوضاعهم المزرية من جهة ومن جهة أخرى يظلون يدينون له بالولاء على أساس أنه ولي نعمتهم وأرزاقهم، ولكن الرئيس السابق من حيث لا يدري نسف فكرة التقسيم من جذورها فتوزيع أبناء الطائفة على مختلف الأراضي السورية أفقدهم وحدة الصف والاتحاد والأغلبية في بعض المناطق، فقد قام الأسد الأب بزرع كانتونات لأتباعه بالمحافظات السورية فجعل طوق من الأحياء النصيرية حول دمشق منها (عش الورور وحي تشرين ومساكن الحرس الجمهوري وحي المزه 86 وحي السومرية والكباس وغيرها وهكذا فعل بمدن درعا والسويداء والقنيطرة بزرع مساكن للضباط ذات الأغلبية النصيرية وكانت هذه  المساكن أشبه بفروع أمن شعبية، كما قام بنقل النصيريين إلى مدن الجزيرة ولا سيما بعد استخراج النفط وإقامة سد الفرات، كما أن العارف بالديموغرافيا السورية يعلم يقينًا أن مدن الساحل اللاذقية و طرطوس هي ذات أغلبية سنية فمراكز المدن هي سنية صرفة وأكبر المدن (جبلة وبانياس) هي سنية إلى أن جاء حافظ الأسد الذي أنزل أتباعه من الجبال وأسكنهم في كانتونات محدثة مثل حي الجامعة وحي الزراعة وبهذا التوزع يصعب الفصل بين تلك المكونات نظرًا لتداخلها وتعايشها وتاريخها المشترك.

كيف يستطيع من يدعى التقسيم إقامة دولة علوية بأغلبية سنية إذن عدنا إلى دائرة سورية مصغرة الحكم بالحديد والنار و تفرد المكون الأصغر بتقرير مسار ومصير المكونات الأخرى التي تشكل الأغلبية، ما ينذر لنتائج لا يستقيم معها استقرار.

وكيف تكون الأغلبية النصيرية المتواجدة في شرقي حمص وحماه تحت الدولة السنية وهم أكثر من نصيريي الساحل ؟إذن ما فائدة التقسيم وما الغاية منه؟.

وإذا تأملنا إلى الطرف المقابل وهو ما أطلق عليه كردستان سوريا وتأملنا الواقع الديموغرافي نجد أن العرب يفوقون أعداد إخوانهم الكرد، فالجزيرة مقسمة إلى أربع مناطق رئيسية (المالكية والحسكة ورأس العين والقامشلي) وحسب بحث لموقع  سوريون: التجمع الوطني للشباب العربي أثبت أن نسبة العرب تفوق 67% فكيف يمكن إقامة دولة في هذا المكان؟ أم أن جنون العظمة وحب السلطة  قد ضرب رأس صويلح مسلم وظن نفسه حامي الكرد وربما انطبق عليه المثل الأرنب الذي شرب قدحًا من الخمر فظن نفسه أسد الغابة والحقيقة أن الكثير من الكرد لا يوافق صويلح مسلم على هذا الطرح لأسباب متعددة الأول توجه فكر هذا الحزب نحو الفكر الشيوعي اللينيني الماركسي والأكراد أغلبهم إسلام سنة على المذهب الشافعي وثانيا إن الأكراد ممثلين بالائتلاف السوري ومنخرطين مع أبناء الشعب السوري في مقاومة الاحتلال النصيري. ثالثًا يقين الأكراد أن من ينطوي تحت عباءة حزب الاتحاد الديمقراطي سيتحول إلى علماني عاجلًا أم آجلًا و سيتنكر لكل القيم الإسلامية ومن أهم هذه القيم صون كرامة المرأة والكرد على يقين بمجرد تأييد هذا الحزب سوف يقوم بإرسال فتياتهم إلى التجنيد الإجباري، وكل ما يقوم به الحزب لترويج من أفكار الحرية والديمقراطية والعيش المشترك ما هو إلا كذبًا بواحًا وأنهم لا يريدون الانفصال بل يريدون حكمًا ذاتيًا ضمن سوريا الكبرى وهذه الأكاذيب يدحضها الواقع وتكذبها التصريحات والوقائع .

ونظرًا لتداخل الديمغرافيا السورية بشكل كبير فإن التقسيم هو أمل إبليس بالجنة لمن تأمل بذالك وهنا نقول ونذكّر بالأخوّة التاريخية بين العرب والكرد ونثنّي كل قرار يعطي إخوتنا بالوطن حقوقهم الكاملة أسوة بالسوريين وخاصة تلك التي حرموا منها من النظام البائد كما نشدد على رفض كل دعوات الانفصال والتشرذم والتشتت وأي شكل من أشكال الفيدرالية وهذا يضع جميع السوريون أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية ترفض جميع أشكال الإقصاء والتهميش للآخرين وأن الشعب السوري بكافة أطيافه وثقافاته ومكوناته وقومياته يشكل لوحة فسيفسائية قل مثيلها في العالم يجب الحفاظ عليها. عاشت سوريا حرة مستقلة.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس