محمد عمر زيدان - خاص ترك برس
لا شك ولا ريب أن الانسحاب الروسي الجزئي من سورية كان له أسبابه ودوافعه وقد تبارى المحللون والسياسيون والمثقفون والمتفلسفون بسردها وتفنيدها لا بل ذهب البعض وكأن الوحي يأتيه من دمشق وموسكو وبدؤوا يجزمون بآرائهم ويحلفون على صدق أقوالهم، ولكن الكثير ممن كتبوا لم يتبعوا المثل العربي (ياما في الجراب يا حاوي) وكم من خبايا النفوس لا يعلمها إلا الله، وكم من خفايا الدول التي لا تظهر للعلن إلا بعد أمد بعيد، وعلى كل حال عاش السوريون أيامًا سعيدة بالقرار الروسي عندما أعلن فلاديمير بوتين أو كما يحلو للسوريين تسميته (بو علي بوتين) الانسحاب من الأراضي السورية، وكما هو الحال منذ بداية الثورة فقد انقسم الشارع السوري من هذا الانسحاب بين مؤيد له ومعارض وبين سعيد وحزين وبين من يشمت وبين من يشتم وباستقصاء للمشهد السوري وبحيادية وموضوعية وبعيدًا عن التعصب الفصائلي والطائفي المقيت نقول عاشت المناطق المحررة أسعد أيامها بهذا القرار لا بل إن كثيرًا من المتفائلين أطلقوا عليه يوم النصر الحقيقي للمعارضة المسلحة.
بعد أن أنهكت قواها من جراء القصف الروسي المستمر الذي أباد البشر والحجر وكان من مفرزات هذا القرار تغير واضح على مختلف الأصعدة فعلى الصعيد الإنساني عاد الأطفال إلى مدارسهم بابتسامة تعلو محياهم وعادت الشوارع تضج بالحركة بعدما كان الخوف يملأ قلوب الجميع، وهذا الحال يعد نصرًا لأطفال سورية الذين تحدوا العدوان الروسي بذهابهم لمدارسهم على الرغم من قصف هذا الطيران للمدارس، أما على الصعيد السياسي فكان نصرًا للمعارضة السياسية وهي على أبواب محادثات جنيف 3 وأعطاها دفعًا معنويًا وهذا ما رأيناه في حديث الوفد الإعلامي للمعارضة أنه لا يمكن إقامة حكومة وطنية في فترة انتقالية بوجود الأسد الكيماوي، وعلى صعيد المعارضة المسلحة بُثت فيها روح الأمل من جديد وبدأت التحضير لتطهير سوريا من براثين مغتصبيها.
أما بالمقابل فقد تبارى إعلام النظام وأذنابه وساسته في التعبير عن خيبة أملهم وإحباطهم مما وصفوه الموقف الروسي المتخاذل الذي خذل الحكومة الشرعية!! طبعًا الشرعية الطائفية وبعضهم حاول التبرير قائلًا لقد كان هناك اتفاق مسبق بين الحكومتين ولا أظن أن الحكومة السورية لها علم بذالك والدليل ما أبداه محللو النظام من استغراب ودهشة من القرار كما أن مختار حي المهاجرين لا يملك من الأمر شيئًا ويسير بسياسة الأمر الواقع فإيران وروسيا تتخذان القرارات دون الرجوع إليه ومن ثم تبلغه التعليمات وإن كان هناك علم لنظام الأسد بالقرار فهو من باب أخذ العلم لا أكثر ولا أقل، ولكن المثير للاهتمام الصفحات المؤيدة للنظام التي انهالت بالسباب والشتائم على روسيا ورئيسها ووصفوه بالخائن والمأجور والمرتشي من قطر والسعودية وووإلخ وبعضهم تهكم قائلاً بعدما أعطيناهم نساءنا وأعراضنا تركوهم وذهبوا لمن يُنسب هؤلاء الأولاد من الجيل الجديد السوري الروسي في إشارة إلى (جمعية عطاء حمص) ولكن يا ترى ما هي الأسباب الكامنة وراء ما حدث في سوريا، لا ريب ولا شك أن العامل الاقتصادي كان من أهم الأسباب وراء هذا القرار الروسي فإفلاس بنوكها وتدهور عملتها وانخفاض سعر نفطها وحربها مع جيرانها وقيام معارضيها هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى انسحابها، ولكن السؤال لماذا تدخلت روسيا في سورية وهي لا تملك الجهة التي تقوم بدفع فواتير الحرب مع علمها بأن إيران ونظام الأسد مفلسون هل أخطأت الحسابات الروسية. أم كما يقول المثل العربي (حساب السوق لم يطابق حساب الصندوق) فخرجت روسيا صفر اليدين من هذه المعادلة الحسابية، أما على المستوى السياسي فالمرجح أن أوروبا وأمريكا أفسحتا المجال أمام روسيا لأسباب متعددة أولها اقتناع أمريكا والغرب أن روسيا لا يمكن أن تحقق نصرًا على المعارضة المسلحة من جهة ومن جهة أخرى تفقد روسيا ماء وجهها على يد مجاهدي سوريا كم فقدته على يد مجاهدي أفغانستان وهذه المصيدة السورية اليوم شبيهة بمثيلتها مصيدة طالبان أفغانستان، وهذا ما أدركته روسيا متأخرة فقامت بسحب قواتها حتى لا تخسر المزيد من آلاتها وتستنزف المزيد من اقتصادها، أما على المستوى العسكري فقد صرح بوتين أن المهمة التي جاء بها إلى سورية قد نفّذت!! ولا ندري عن أي مهمة يتحدث عنها السيد بوتين فالمراقب للمشهد يقول إن جميع الخطط الروسية في سورية قد فشلت سواء القضاء على المعارضة المسلحة أو القضاء على الدولة الإسلامية أو استرجاع المناطق المحررة للأسد أو إعطاء كانتون للأكراد، صحيح أن الأسد بالمعونة الروسية استطاع استرداد بعض القرى في الساحل وريف حلب الجنوبي على مدار الأشهر الماضية ولكن المعارضة قادرة على استردادها بأيام إذا توفرت الإمكانيات، والأهم من ذالك يقين روسيا بأن الروح المعنوية لأنصار الأسد بالحضيض وأداءهم العسكري منخفض جدًا وعجز هذا الجيش المتآكل على تحقيق نصر بسيط في ظل هذا الدعم العسكري واللوجستي، كما أن اعتماد هذا النظام على مليشيات طائفية يعني أنه فاقد السيادة على أراضيه وإن كنا ننسى فلا ننسى حقيقة طالما رددها المؤرخون أثناء وصف الحروب الروسية ووصف روسيا بالدب فقالوا (أن الدب ضربته قوية ولكن نفسه قصير) وهذا ما دل عليه الواقع فحرب روسيا أمس بأفغانستان واليوم في سورية.
ولكن هذا الانسحاب لا يحول بوتين إلى حمامة سلام ويجب أن يحاكم على جرائمه ضد الإنسانية السورية وعلى روسيا أن تدفع تعويضات للشعب السوري وضحاياه و لذويهم جراء ما اقترف العدوان الروسي من جرائم. وأيًا كان وضع الانسحاب فالثورة مستمرة بمساعدة إخوة الشعب السوري (تركيا والسعودية) ولا نقول أصدقاء الشعب السوري لأنهم خذلوا هذا الشعب من أول جولة فالصداقة زائلة والأخوة باقية أبد الدهر. وستنتصر الثورة إن شاء الله بفضل أبنائها ومجاهديها وسيكتب التاريخ بأن ثورة الشعب السوري حاربت العالم لتنال حريتها فالثورة اليوم ليست ثورة شعب بل هي ثورة أمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس