د. عمر بولاط - الاقتصاد العميق - ترجمة وتحرير ترك برس (نشرت المقالة الأصلية بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير 2016)

عاشت تركيا إعصارًا صعبا انطلق في نهاية شهر أيار/ مايو عام 2013، واستمر حتى 2015، واضطرت لإجراء 4 عمليات انتخابية خلال عامين، وهذا فتح شهية عشاق الفوضى، وما تزال تركيا تعيش لهيب هذه الأحداث، وتحاربها، لأنّها اليوم تواجه أطماعا من قوى عالمية، وأخرى إقليمية، تسعى إلى نشر الفوضى المحيطة بها إلى داخل الأناضول.

وتهدف هذه القوى الظلامية إلى الوقوف في وجه إرادة الشعب، واستخدام أساليب غير ديمقراطية لإسقاط الحكومة، واستخدمت كذلك أساليب عنف الإرهاب الانفصالي، وتحويل الوضع في سوريا إلى أشبه بساحة حرب عالمية، واستخدمت ذلك من أجل التأثير على تركيا، وانتهاء باستغلال روسيا لحادثة إسقاط طائرتها التي أصرت على اختراق الأجواء التركية رغم التحذيرات المتكررة، واستغلال ذلك من أجل خلق أزمة سياسية واقتصادية مع روسيا، كان ذلك من أبرز الأحداث التي عاشتها تركيا خلال العام 2015.

ولم يكن الاقتصاد على سلم أولويات تركيا خلال عامي 2014 و2015، لأنه لم يكن هناك وقت لذلك. وخلال عام 2015، كان على رأس الأجندة الاقتصادية تحديد البنك المركزي الأمريكي لمسألة متى وكم ستزيد نسبة الفائدة، وهذا الأمر عاد بالفائدة على أمريكا، بينما تسبب ذلك في أن يعيش اقتصاد الدول النامية، التي تملك المواد الخام، كوابيس حقيقية، وعاشت تلك الدول باستثناء إندونيسيا وتركيا والهند، حالة من الركود الاقتصادي، وزيادة في البطالة، وفقدان الاحتياط، وتأثيرات سلبية أخرى، نتجت عن انخفاض أسعار المواد الخام، بعد ما قام به البنك المركزي الأمريكي.

وبرغم كل هذه الأمور والتأثيرات السلبية الداخلية والخارجية، إلا أننا يمكننا القول بأنّ الاقتصاد التركي خلال عامي 2014 و2015 عبر هذه المرحلة بصورة متوسطة، ولم يعش على الأقل حالة من الركود أو التراجع، وكان يتراوح مستوى النمو الاقتصادي بين 3-4%، بينما ازدادت نسبة البطالة بصورة جزئية، حيث وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 3 ملايين شخص، وبنسبة 10%، وكان هناك تراجع أيضا في الصادرات بنسبة 10%، وعلينا أنْ لا ننسى أنّ التجارة العالمية أيضا تراجعت لأول مرة منذ 70 عاما، باستثناء الأزمة الاقتصادية التي كانت عام 2009، ولا ننسى أيضا أنّ الأحداث الجارية والانهيارات الاقتصادية والحروب الداخلية في المنطقة لا بد لها أن تؤثر علينا، ونذكر بأنّ 55% من الصادرات التركية تتم باليورو، وعندما فقد اليورو 20% من قيمته تجاه الدولار، خسرت الصادرات التركية ما قيمته 11 مليار دولار، ومع ذلك استطعنا المحافظة على ميزانية الشعب، وهذه الأمور من الإيجابيات التي حدثت خلال عام 2015.

ولهذا نستطيع أن نقول بأننا في العام 2015، وقفنا بثبات في وجه الأعاصير، ونحن الآن ندخل عام 2016، وهي بداية جديدة، فيها من الحماس والأمل الشيء الكثير، ونجاحنا بالوقوف ثابتين وسط هذه المشاكل والتعقيدات، سيقودنا إلى زيادة ثقتنا بأنفسنا، وإلى زيادة قوتنا، وإرادتنا، فالآن حان موعد كتابة قصة نجاح جديد، نحن أهل له.

أمامنا فترة 3 سنوات و3 أشهر، ستكون فترة مستقرة سياسيا، تقودها حكومة حزب واحد قوية، ولن نعيش خلالها انتخابات، وأهم عنصر يأتي على رأس أولويات الحكومة التركية، هو زيادة الاستثمار، وزيادة الإنتاجية، وتصدير منتجات فائقة الجودة، في الزراعة، والصناعة، وزيادة تحفيز المشاريع في هذه المجالات. والموضوع الآخر المهم، هو إزالة العوائق البيروقراطية التي تحول دون قيام رجال الأعمال بأعمالهم بحرية. والأمر الثالث الذي يرسم لنا خارطة الطريق خلال هذه الفترة، هو ضرورة زيادة التركيز على الأسواق الخارجية، والتصدير الخارجي، وخصوصا إلى الدول الأفريقية، وآسيا الوسطى، وإلى دول الاتحاد الأوروبي، وزيادة التبادل التجاري مع إيران، وبقية الدول الآسيوية. والأمر الرابع لخارطة الطريق، هو وضع أسس قوية للتعليم والثقافة، وخصوصا في مجال المعلومات والتكنولوجيا والأبحاث والتطوير، فنحن بحاجة إلى تربية أجيال الشباب الجديدة من أجل الإنتاجية والاختراع.

شهد العام 2015 تراجعا واضحا في التجارة والاقتصاد العالمي، لكننا نستطيع القول بأنّ تركيا عبرت هذا العام بمستوى متوسط، وحتى نستطيع المضي قدما في النمو الاقتصادي، علينا التشبث بأربعة عناصر هامة للغاية، وهي "الاستقرار، الأمن، الأمل والديناميكية"، فهذه العناصر هي من ستقود تركيا في عام 2016 إلى وضع اقتصادي أفضل مما كان عليه عام 2015.

عن الكاتب

د. عمر بولاط

الدكتور عمر بولاط / رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس