د. عمر بولاط - الاقتصاد العميق - ترجمة وتحرير ترك برس (نشرت المقالة الأصلية في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)
لا شك بأنّ الإجابة على سؤال من يدير الاقتصاد في العالم، ستكون بأنه من يكون رئيس البنك المركزي الأمريكي هو من يرأس اقتصاد العالم، وفي هذه الفترة الرئيس هو جانيت يالين، ويعد رئيس "الاحتياطي الأمريكي" الرجل الثاني بعد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعرف أكثر من وزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية، وجميعنا لاحظ كيف أنّ لحراك رئاسة "الاحتياطي الأمريكي" تأثير كبير جدا على اقتصاد العالم، خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، وتأثرت الأسواق العالمية بصورة كبيرة بتحديد رئيس "الاحتياطي الأمريكي" في الولايات المتحدة الأمريكية.
أكثر من تأثر بالأزمة الاقتصادية في العام 2008 هي أمريكا والاتحاد الأوروبي، وحاولت أمريكا والبنك المركزي الأوروبي تجاوز هذه الأزمة من خلال اتخاذ سياسات اقتصادية جديدة فيها نسبة الفوائد قريبة من الصفر، كما عملوا جاهدين من أجل تجاوز الأزمة من خلال إعادة شراء سندات، وازداد حجم الانفاق على هذا البرنامج من 3.6 تريليون دولار ليصل إلى 4.5 تريليون دولار، كما قاموا بطباعة قرابة 2.5 تريليون دولار، مما يعني أنهم ضخوا في السوق قرابة 7 تريليون دولار من أجل تجاوز الأزمة التي عصفت بهم، وهذا الأمر نجح جزئيا في أمريكا، وازداد معدل النمو في آخر خمس سنوات بمقدار 2%، بينما الاتحاد الأوروبي بدأ مؤخرا بتجاوز أزمة الركود والبطالة.
لكن إعادة البنك المركزي الأمريكي "الاحتياطي الأمريكي" لرفع نسبة الفائدة اعتبارا من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2014، قد أدى إلى التأثير سلبيا على الدول المنتجة للنفط وخصوصا البرازيل وروسيا، كما أنّ الاقتصاد الصيني يعطي مؤشرات سلبية، أما اليابان، فبعد تجاوزها مرحلة الركود التي استمرت عشرين عاما، نما فيها الاقتصاد لعامين، قبل أنْ تعود مجددا لمكافحة حالة الركود، وهذا يعني بأنّ القرارات التي يتخذها البنك المركزي الأمريكي تؤثر بصورة مباشرة على اقتصادات العالم وتهزه، لكن لماذا؟
السبب في ذلك يعود إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت ان تكون رائدة السياسة العالمية، ورائدة الاقتصاد العالمي، ورائدة التجارة العالمية، بعد ما قامت به في الحرب العالمية الثانية، والتي أصبحت بعدها صاحبة أقوى اقتصاد عالمي (الدخل القومي 17 تريليون دولار)، وصاحبة أقوى قوة عسكرية، وتملك طاقة نووية، وتترأس كل التشكيلات الدولة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، وحلف الناتو، وتملك فيها جميعا الكلمة والقرار.
ولهذا أصبح البنك المركزي الأمريكي صاحب قوة وتأثير أكثر مما ينبغي، لأنه بذلك يصبح الاقتصاد العالمي يقف على قدم واحدة، ويسير وفق محور واحد، وهذا يقود إلى التأثير بموجات لا داعي لها على دول عديدة، ومع تراجع هيمنة أمريكا وأوروبا على الاقتصادي العالمي من نسبة 75% في عام 1970، إلى نسبة 50% في العام 2014، بدؤوا يستشعرون الخطر المحدق بهم، وبضرورة إشراك بعض الدول الأخرى، لكنهم لم يسمحوا بأنْ يخسروا امتيازاتهم، ولذلك عقدوا قمة العشرين، والتي هي بمثابة مكياج لهم.
قام البنك المركزي الأمريكي "الاحتياطي الأمريكي" باستخدام أسلوب الجزرة عندما فتح الصنابير المالية وضخ أموالا طائلة في الأسواق، لكنه قام بعد ذلك بإعطاء إشارات سلبية ليضع العصي في الدواليب، وهو بذلك نجح في زيادة ارتباط الاقتصاد العالمي به.
نعتقد بأنّ العالم بحاجة إلى محاور اقتصادية جديدة، إلى جنب المحور الاقتصادي الأمريكي والبنك الدولي، فيجب ان يكون هناك محور اقتصادي أوروبي، ومحور اقتصادي صيني ياباني، ومحور اقتصادي روسي برازيلي هندي، كما أنّ على العالم الإسلامي أنْ يشكل محوره الاقتصادي أيضا من خلال بنك التنمية الإسلامي على سبيل المثال، لأنّ النظام متعدد الأبعاد يساهم في امتصاص التأثيرات السلبية التي من الممكن أنْ تنتج عن أحد المحاور.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس