محمد عمر زيدان - خاص ترك برس
شهدت الساحة السورية في الأيام القليلة الماضية تطورًا ملحوظًا، وقد استغرب بعض الناس هذا التطور ولكن البعض الأخر عدّه نتيجة طبيعية وكان أمرًا متوقعًا ومحسوبًا، وما هذا التطور إلا انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى بداعش اليوم من لؤلؤة البادية السورية تدمر وتركها فريسة سهلة لقوات النظام، ولكن تدمر أمس لم تعد تدمر اليوم فثرواتها منهوبة وكنوزها مسروقة وأثارها محطمة ومستباحة وأطلالها تشهد عليها وقد توالى على سرقة تدمر عشرات اللصوص والأوغاد بدءًا من رفعت الأسد مرورًا بأعضاء حزب البعث الحاكم ومن ثم بشار وعصابته وحلفائه انتهاء بداعش اليوم.
فالأسد تحت ذريعة الحفاظ على الحضارة الإنسانية ومكتسبات الأمم السالفة قام 2013 بنقل آثار متحف تدمر إلى دمشق. ولكن كما لا يخفى على أحد فإن الأسد فعل ذالك في إدلب أيضًا عندما ادعى يومها خوفه على هذه الآثار من ثوار إدلب وإذا صدقنا إلى ما ذهب إليه النظام من ادعاءاته وأباطيله. فلماذا نقل آثار متحف السويداء (هذه المدينة ذات الأغلبية الدرزية التي بالأصل ليس فيها ثورة)، هل هي حمايتها من أهل البلد؟ أم أن هذه سرقة موصوفة؟ أم أن سمسار دمشق لديه زبائن لبيع هذه القطع الفنية؟. وعلى الطرف المقابل فداعش سرقت آثار تدمر بحجج وذرائع مختلفة فقامت بحرق معابدها وكسر رموزها على أنها رموز ودلائل وثنية وسرقت عملتها الذهبية وباعتها لتجار الظلام ومافيات الغرب وبذالك استطاعت تأمين باب جديد من الرزق لتمويل احتياجاتها من الدعم العسكري واللوجستي.
وما احتلال داعش لتدمر إلا أحد تصورين إما للفت الانتباه لها عالميًا لما لتدمر من قيمة وشهرة عالميتين وهذا مما يضع التنظيم في بؤرة الضوء ويعيده ثانية إلى دائرة الاهتمام العالمي ويطلب وده بدلًا من محاربته خاصة بعد تهديد التنظيم وإجراء تفجيرات في وسط أوروبا، وإما هي لعبة من النظام لاتخاذ هذا التنظيم مطية لتحقيق أهدافه فهناك اتفاق على الدخول واتفاق على الخروج ليظهر النظام بأنه اليد القوية التي تضرب الإرهاب ولا سيما الإرهاب العالمي الذي يضرب أوروبا هذه الأيام ، ومما يؤيد فكرة أن هناك تعاون مسبق بين النظام وداعش عدة أمور منها دخول التنظيم إلى تدمر في 23 أيار/ مايو 2015 بـ14 ألف مقاتل على مرأى ومسمع العالم الذي يدّعى محاربة التنظيم فكيف لهذا التنظيم نقل مقاتليه ومعداته الثقيلة من الميادين ودير الزور والرقة والرمادي بالعراق مئات الكيلومترات في الصحراء دون أن يتعرض له أحد وكيف بين عشية وضحاها يدخلون تدمر بدون قتال؟ واليوم يخرجون منها ويدخلها النظام بدون قتال وكأنها عملية استلام وتسليم مفضوحة.
ولكن ماذا كان يهدف النظام من وراء هذا السيناريو وهذه المسرحية الهزلية؟ لا بد أن النظام كان يطمح لإعادة تسويق نفسه مرة أخرى على أنه حامي الحمى والمدافع الأوحد ضد الإرهاب من جهة ومن جهة أخرى طمس جرائمه ومسح جميع الآثار الدالة على إجرامه على مدى سنين من الهيمنة والقتل ومن هذه الآثار سجن تدمر.
ولكن ما سر هذا التوقيت الذي يشن فيه حلفاء الأسد حربهم الدعائية أكثر ما هي عسكرية مستغلين الهدنة وتحيد فصائل الجيش الحر من جهة وتفردهم بالتنظيم من جهة أخرى وجعلها ورقة ضغط على المجتمع الدولي في جنيف 3 وحقيقة استطاع الحلفاء وهم اللاعبون الأساسيون في حسم هذه المعركة سواء الروس أو الإيرانيون أو الكوريون والصينيون والأفغان والمليشيات العراقية واللبنانية بينما جلس بشار الأسد وجيشه على دكة البدلاء يتفرجون ويشجعون فريق الحلفاء، وليس مشكلة أن يضع فريق الحلفاء حفنة من مقاتلي بشار في الخطوط الأولى لجعلهم دروعا بشرية تحمي الفريق المهاجم وهكذا ظهر الإعلام السوري ينعي شهداء الجيش الذين سقطوا فداء بسطار التحالف وبشار وكانت حقيقة مسرحية هزلية عندما يتقدم سمسار دمشق بتقديم الشكر لروسيا ويقول لولا مساعدتكم ما استطعنا التحرير ،في مغازلة واستجداء لعودة القوات الروسية التي غادرت سورية والمفارقة أن الجيش السوري يتقدم إلى تدمر ويترك وراءه مدينة القريتين والتي فيها قوات التنظيم كيف يترك ظهره مكشوفًا ويتقدم. وهنا يسخر أحدهم بقوله لابد أن في الأمر مكراً كما أن القوات الروسية لم تشن أي غارة على مناطق التنظيم الإستراتيجية مثل حقول الشاعر ومطار التيفور العسكري، وحقيقة ما يثير الضحك.
ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الأحد (27 مارس/آذار 2016) باستعادة الجيش السوري وحلفائه، بدعم روسي، لمدينة تدمر الأثرية وطرد جهادي تنظيم "الدولة الإسلامية" منها، معربًا عن أمله بحمايتها وترميمها. وقال بان في مؤتمر صحفي في عمان "أسعدنا وزادنا عزما إعلان الجيش السوري استعادة السيطرة على تدمر وطرد تنظيم الدولة الإسلامية منها، وأنه الآن سيحمي ويحافظ على هذا الإرث الإنساني". هل من أمطر تدمر بمئات الغارات الجوية هو من سيحافظ على الإرث الحضاري أم أن الاتفاق الروسي الأمريكي الذي نص على عدم بحث مستقبل الأسد هو من شجعه وأعطاه صك على القضاء على ما تبقى من إرث سورية الحضاري، سحقًا لهذا العالم الذي يعاني من انفصام بالشخصية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس