ترك برس

يقول المؤرخ التركي مصطفى أرمغان: "استمر الربيع التركي 27 عامًا حتى حقق الأتراك حلمهم في الانتقال الكامل إلى نظام ديمقراطي يضمن التعددية السياسية ويفسح المجال لجميع المواطنين للترشح والانتخاب ونيل الكثير من الحقوق التي فقدها في ظل حكم الحزب الواحد". طرح أرمغان في مقالة له في مجلة التاريخ العميق "دارين تاريخ" مصطلح "الثورة البيضاء" و"الربيع التركي" في عام 1950.

خطرت الفكرة على بال أرمغان بعد قراءته خبر إعلان صحيفة ملييت الانقلاب العسكري بتاريخ 27 أيار/ مايو 1960، الذي يُثبت أن خطر تقويض التجربة الديمقراطية يظل موجودًا دائمًا، وأنها بحاجة إلى حماية دائمة ضد من يتربص بها ويحاول الانقلاب عليها خدمة لمصالحه ومصالح جهات أجنبية أخرى. ومن أمثلة ذلك حسب أرمغان الانقلاب في مصر في 3 تموز/ يوليو 2013.

عانى الشعب التركي بمختلف أطيافه المحافظ والليبرالي وحتى العلماني، حسب أرمغان، ما قبل عام 1950 من حكم الحزب الواحد ومنع تأسيس الأحزاب الأخرى. ولم يسلم حتى الضباط الذين شاركوا في حرب التحرير من الحكم السلطوي لحزب الشعب الجمهوري، فقد قامت مجموعة من الضباط بقيادة "كاظم كارابكر" ذي الميول الإسلامية المحافظة و"علي فتحي" بتأسيس حزب الجمهوري الحر في 12 آب/ أغسطس 1930 الذي حاز كتلة شعبية واسعة ممن سئموا من التصرفات السلطوية لحزب الشعب الجمهوري، ولكن عندما رأى الأخير تراجع شعبيته، أصدر زعيمه مصطفى كمال أتاتورك قرار إغلاق الحزب بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام.

اضطر كثير من الضباط إلى الانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري قسرًا، لعدم توفر فرصة أخرى لممارسة الحياة السياسية. يقول أرمغان إن بعض الضباط استمروا في نضالهم لفرض التعددية السياسية في تركيا، وقد استبشروا خيرًا عقب وفاة أتاتورك عام 1938، ولكن رئيس الوزراء الذي كان يُعرف بأنه الساعد الأيمن لأتاتورك "عصمت إينونو" والذي أعلن نفسه "زعيمًا وطنيًا" انتهج سياسة إقصائية أكثر من تلك التي انتهجها أتاتورك.

أظهر بعض الضباط معارضة شديد لممارسات حزب الشعب الجمهوري، ومنهم "جلال بايار" و"عدنان مندرس"، وأجروا تحركات دبلوماسية مع دول ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للضغط على الحزب الحاكم لفسح المجال لتعددية سياسية. يقول أرمغان إن هذه الدول استجابت لدعواتهم واشترطت على إينونو الانتقال إلى العملية الديمقراطية لتوفير الدعم السياسي وحماية تركيا، وفي ظل التهديد السوفييتي قبل إينونو وأجريت أول انتخابات تكفل تعددية سياسية في عام 1946.

لم يتمكن الحزب الديمقراطي الذي شكّل حديثًا من التغلب على حزب الشعب الجمهوري لعدة أسباب منها عدم فرز الأصوات بشفافية، ولكن في انتخابات عام 1950 أثمرت جهود الداعين إلى الديمقراطية، وفاز في تلك الانتخابات الحزب الديمقراطي فوزًا كاسحًا، الأمر الذي يدل على نجاح الثورة البيضاء وبدء الربيع الديمقراطي في تركيا.

ويؤكّد أرمغان أن الدعم الشعبي لبعض الضباط والساسة هو المُحرك الأساسي لهم في إجراء بعض الضغوطات على حزب الشعب الجمهوري وقادته، مشيرًا إلى أن الإرادة الشعبية هي التي تساهم في التغيير، ولتحقيق الإرادة الشعبية ما ترنو إليه لا بُد من تمتعها بالإصرار على إجراء تغيير ما.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!