محمد حامد - خاص ترك برس
في 30 نيسان/ أبريل الماضي حطت طائرة الرئيس سعد الحريري في أنقرة في زيارة غير معلن عنها قبل حدوثها وهي الأولى في هذا العام. زار رئيس تيار المستقبل ورئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري تركيا، في زيارة التقى فيها القيادة التركية. وتأتي الزيارة في ظل نشاط دبلوماسي سعودي وتركي لبلورة تحالفات جديدة لمواجهة التمدد الإيراني وكبحه في المنطقة خاصة في لبنان. وتأتي زيارة الحريري كذلك عقب قمة سلمان أردوغان التاريخية في منتصف الشهر الماضي، ويبدو أن الدور جاء على لبنان لكي تدخل معادلة التنسيق التركي السعودي.
تناولت اللقاءات قضيتين محوريتين:
1- ملف الفراغ الرئاسي في لبنان.
2- مستقبل الصراع السوري وتداعياته على لبنان.
أولا: دلالات زيارة رئيس تيار المستقبل إلى تركيا
1- جاءت زيارة رئيس وزراء لبنان الأسبق إلى تركيا في هذا التوقيت لتبادل الآراء وتعميق المشاورات في ظل سعي تركيا والسعودية إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد سواء بالمفاوضات أو بالقوة وهذا ينسجم مع هدف تيار المستقبل الذي أعلنه أكثر من مرة، ويأتي ذلك في ظل اشتغال الجبهة الشمالية من جديد وبالتحديد مدينة حلب وانهيار الهدنة الإنسانية، وسعي النظام السوري الدؤوب إلى إفشال المفاوضات السورية السورية وإفراغها من مضمونها، خاصة مع إصرار النظام السوري على تشكيل حكومة موسعة وعدم التعرض إلى مقام الرئاسة السورية وتعثر المفاوضات في جنيف.
2- استطلاع الرؤية التركية تجاه أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان والتي يعاني منها منذ أيار/ مايو 2014 بعد انتهاء مدة الرئيس السابق ميشيل سليمان وعرض مبادرة الرئيس الحريري حول حل أزمة الفراغ الرئاسي عبر انتخاب رئيس تيار المردية سليمان فرنجية والحصول على الدعم التركي على هذه المبادرة.
3- إن عودة تركيا إلى الواجهة في لبنان هي محاولة من الرئيس سعد الحريري استدعاء دور نزيه وشريف ساهم في إخراجه من محنته في أزمات سابقة حيث لعبت دورا إيجابيا في أزمة الفراغ الرئاسي عام 2008 ورحبت بانتخاب العماد ميشال سليمان وقتها، ومن قبلها في انتقادها الدائم لحرب لبنان 2006، وبدأ تبلور الدور التركي بشكل فعال عندما زار وزير الخارجية التركي والقطري السابقين داود أوغلو وحمد بن جاسم في كانون الثاني/ يناير 2011 آنذاك من اجل تسوية الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين والتي تولدت نتيجة اتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من حزب الله باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وفي شباط/ فبراير 2011 اعتبر رئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان أن فوزه في الانتخابات البرلمانية للولاية الثالثة انتصارا لبيروت كإحدى العواصم التى تدعمها أنقرة ضد العدوان الإسرائيلي وتدعم استقرار لبنان بشكل عام، ومع تفجر الأزمة السورية في آذار/ مارس 2011 لم تكل القيادة التركية من الانتقادات اللاذعة التي توجهها إلى حزب الله اللبناني لمشاركته إلى جانب القوات السورية في قمع المظاهرات السلمية.
ثانيا: الأسباب الجوهرية للزيارة سعد الحريري (إنقاذ مشروع فرنجية رئيسا)
1- إنقاذ مبادرة الرئيس سعد الحريري الذي اقترح انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للبنان لسد الفراغ الرئاسي والمستمر منذ عامين، تلك المبادرة التي رحبت بها كل من السعودية وإيران وهما الطرفان الإقليميان المتناقضان في لبنان بالكامل، ويبدو أن فيتو سوري هو من أفشل المبادرة وجعلها تراوح مكانها على الرغم من التأييد الإيراني، ويبدو أن دمشق تصر على ميشيل عون رئيس التيار الحر ومن قوى 8 من آذار وهذا علنا، ولكن سرا يبدو أن قيادة قصر الشعب تريد أن تبقي الفراغ الرئاسي اللبناني ورقة تفاوضية وفي أي تسوية مستقبلية مع المعارضة السورية وداعميها من قوى عربية وإقليمية ودولية.
2- يبدو أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في حاجة إلى دعم تركي أو لقوى إقليمية لتثبيت مبادرة انتخاب رئيس تيار المردة، ومن أجل منافسة الدور الإيراني المتغلغل في لبنان خاصة بعد عودة طهران إلى الساحة الدولية ورفع العقوبات، والتي يبدو أنها ستعود بقوة إلى لبنان ولحليفها في الضاحية الجنوبية (حزب الله) والذي يرزح تحت أزمة مالية طاحنة في انتظار الإغداق الإيراني مستقبلا.
3- الدفعة التركية لتيار المستقبل لتعزيز مواقفه أمام حلفائه قبل خصومه السياسين في الداخل اللبناني تبدو ضرورية ولكن في الواقع هي دفعة تركية سعودية إلى الحليف اللبناني خاصة أن الرياض تخطو خطوات تصعيدية ضد إيران وحلفائها في المنطقة وخاصة حزب الله، وأيضا من أجل تغيير الموقف القواتي والمقصود هنا حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع الذي أعلن صراحة تأييد الجنرال ميشيل عون ورفض مبادرة الحريري، وأيضا تلك الدفعة تهدف إلى الإمساك بالورقة الدرزية بيد تيار المستقبل من جديد خاصة أن تصريحات زعيم الطائفة الدرزية في لبنان ترى أنه إذا اقتضت الضرورة والمصلحة الوطنية انتخاب ميشيل عون فلن يعارض، ورأى أن عزل حزب الله سياسيا لن يجدي نفعا فهو مكون رئيسي من القوى السياسية اللبنانية.
ثالثا: المكاسب التركية بعد العودة إلى الملف اللبناني
1- كسب الحليف الخليجي من خلال تطبيق التفاهمات التركية السعودية أو تفاهمات مع ما بعد القمة الإسلامية فهناك سلسلة إجراءات سياسية ودبلوماسية تنتهجها أنقرة خلال الأسبوعين الماضيين لتنفيذ مخرجات قمة سلمان أردوغان التي عقدت منتصف الشهر المنصرم وهي إعادة تاهيل وترميم الدور التركي في الجوار العربي القربب والبعيد عن دول الخليج فبدأت بزيارة وزير الخارجية التركي شاوش أوغلو لدولة الإمارات بعد قطيعة دبلوماسية وسياسية استمرت ثلاث سنوات، وتجميد الحكومة التركية الأموال والأصول المادية للرئيس السابق علي عبد الله صالح خصمها الأول في اليمن حاليا.
2- كسر العزلة الدبلوماسية والعودة إلى محور الاعتدال بدعم سعودي وفي ملف محور وشائك وهو الملف البناني، خاصة بعد معاناة أنقرة منذ أواخر عام 2013 بسبب مواقفها من الأحداث في مصر، هذا الموقف ولد عزلة خليجية تبعتها عزلة لبنانية فالعودة إلى لبنان هي العودة إلى قلب المشرق العربي.
3- مد يد طولى سياسية ودبلوماسية وأمنية في خصر سوريا لم تُتَح لها طوال 5 أعوام، قد تولد إعادة دعم المعارضة السورية المتمركزة على الحدود السورية اللبنانية في جرود عرسال، وتحريك ملف الجنود اللبنانيين الأسرى لدى الجماعات المسلحة مثل داعش والنصرة، ويمكن لأنقرة لعب دور الوسيط بمساعدة قطر.
4- مناكفة ومواجهة الدور الإيراني والسوري في لبنان خاصة أن التسويات في الأزمة السورية قادمة لا محالة، وهنا يتجلى دور جديد لتركيا في لبنان وينسجم مع محور الاعتدال.
5- الفاعل الإقليمي في منطقة المشرق العربي، وهو ما افتقدته تركيا على مدار عامين كاملين نظرا لانتشار تنظيم الدولة في العراق وسوريا ودخول العامل الروسي على خط الأزمة السورية مما قلص النفوذ التركي في حل الأزمة.
إن عودة الدور التركي إلى لبنان تنسجم مع أهداف وخطة المملكة العربية السعودية الاستراتيجية في حشد كل القوى الفاعلة والرئيسية في المنطقة أملا في كسر شوكة النفوذ الإيراني المنتشر في 4 عواصم عربية بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، وهذا ما أشار له خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 24 من نيسان/ أبريل الماضي أن مصر لن تسمح لأي قوة بالسيطرة على العالم العربي، في إشارة لإيران.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس