محمد حامد - نون بوست

كانت تركيا قبل الانقلاب الفاشل في 15 يوليو المنصرم تعيش حالة من الفوضى في علاقتها الخارجية بدأت بإعادة ترتيبها قبيل الانقلاب بأسابيع قليلة وذلك من خلال إعادة التطبيع التركي مع كل من الدولة العبرية والدب الروسي، بالإضافة لمساعٍ حثيثة لإتمام مصالحات مع مصر وسوريا والعراق.

أما بالنسبة للعلاقات التركية الخليجية التي طالما كانت علاقات استراتجية وبنيت على أساس متين خاصة في الأعوام الستة الماضية وجمعت دول الخليج وأنقرة هدف مشترك هو التخلص من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن حدث في تلك الفترة جمود في العلاقات التركية الخليجية عدا دولة قطر، بسبب موقف أنقرة من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في مصر وكانت أبو ظبي أكثر الدول تطرفًا في خصومة تركيا، إلى أن جاءت زيارة وزير الخارجية التركي شاوش أوغلو إلى الإمارات في أبريل الماضي كأول زيارة لمسؤول تركي إلى أبو ظبي بعد ثلاث سنوات من القطيعة.

أولاً: المواقف الخليجية من الانقلاب الفاشل في تركيا

أولاً:  قطر الدعم اللامحدود 

تعتبر الدوحة أكثر دول العالم تضامنًا مع الحكومة التركية، نظرًا للعلاقة الاستراتجية التي تجمع البلدين، فكان أمير قطر تميم بن حمد أول من هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفشل الانقلاب، وأيضًا كانت الخارجبة القطرية أكثر الدول تنديدًا بالمحاولة الانقلابية، بالإضافة إلى زيارة الأمير الوالد حمد بن جاسم آل ثان إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي وأشاد بالمواقف البطولية للشعب التركي في الدفاع.

كان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن أول مسؤول عربي يزور تركيا عقب الانقلاب الفاشل من أجل إدانته ودعم الموقف التركي داخليًا ودوليًا، وكان ذلك في 30 يوليو الماضي.

زيارة رئيس الوزراء القطري عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني إلي تركيا في أول زيارة رسمية له مع بداية الشهر الحالي بغرض توطيد العلاقات بين البلدين.

زيارة رئيس أركان الجيش القطري إلى أنقرة في أغسطس الماضي، ولقاؤه برئيس أركان الجيش التركي خلوصي أكار، بالإضافة لرئيس الوزراء علي يلدرم ويهدف إلى تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين خاصة أن هناك مشروع لإقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر خلال الأعوام القادمة.

كما طرحت دولة قطر فكرة إدارة المؤسسات التعليمية للكيان الموزاري المتورط في الانقلاب بعد أن قامت الحكومة التركية بتأميم تلك المؤسسات، أو بمعنى آخر أن يكون لدولة قطر دورًا للاستثمار في التعليم في تركيا.

كل هذا الدعم القطري يدلل على قوة العلاقات بين البلدين وتطابق الرؤى في القضايا الدولية والإقليمية، فالدوحة وأنقرة همغ الداعمتان العربي والإقليمي للربيع العربي في المنطقة خاصة لجماعات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون).

ثانيًا: هل السعودية دعمت الانقلاب الفاشل في تركيا؟

كما ذكرنا في المقدمة فإن العلاقات التركية الخليجية وبالتحديد العلاقات السعودية التركية شهدت نوعًا من الجمود السياسي لمدة عام ونصف حتى جاء الملك سلمان إلى سدة الحكم في العام الفائت وبدأت أنقرة والرياض بناء علاقات جديدة تجلت في زيارة الملك سلمان إلى تركيا مرتين في نوفمبر 2015 وأبريل من العام الحالي من أجل حضور G20 والقمة الإسلامية.

كانت المملكة العربية السعودية من الدول التي أدانت الانقلاب العسكري في تركيا واعتبرت أن أمن تركيا مهم للمملكة ودعمت بقاء الرئيس أردوغان في السلطة.

في 15 أغسطس وجه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم اتهامًا مبطنًا عبر لقاء صحفي أن الرياض قد تكون وراء تدبير الانقلاب في تركيا بقوله "لا يوجد دخان بدون نار" ولكن سرعان ما نفى مكتب رئاسة الوزراء التركي هذا الكلام، وردت السعودية من خلال زيارة السفير عادل مرداد إلى وزارة الخارجية ولقاء مولود شاوش أوغلو من أجل التأكيد على دعم المملكة للحكومة التركية.

تجلى التضامن السعودي مع تركيا في تسليم الرياض الملحق العسكري "ميكائيل غللو" لدى الكويت الذي فر إلى المملكة أملاً في الحصول على اللجوء السياسي أو الفرار لدولة أوربية لطلب اللجوء بها.

جاءت زيارة الوزير عادل الجبير الأسبوع قبل الماضي أكبر دلالة على متانة العلاقات بين البلدين وأن التنسيق في قضايا المنطقة على أعلى مستوى على الرغم من عدم مشاركة السعودية في عملية درع الفرات التي تهدف إلى محاربة التنظيمات الكردية المصنفة إرهابيًا، وأيضًا تنظيم الدولة "داعش"، ولكن الدعم السياسي من المملكة يعطيها شرعية من أكبر الدول العربية "السنية" خاصة أن السعودية كانت من أكثر الدول حماسة لمحاربة الإرهاب في سوريا، ولكن انشغال الرياض بالملف اليمني جعل القيادة السعودية لا تخاطر في دخول عملية درع الفرات. 

ويعتبر لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان  على هامش قمة العشرين كان يهدف للتأكيد على قوة العلاقات بين الرياض وأنقرة وبغرض زيادة الاستثمارات السعودية في تركيا.

- التراشق الإعلامي بين البلدين

حيث انتقدت صحيفة عكاظ السعودية المصالحة التركية الروسية وأعتبرت أن أنقرة تراجعت أمام الدب الروسي وعادت إلى المحور الروسي الإيراني وأعطت ظهرها لحلفائها العرب من أجل مصالحها، بالإضافة إلى استضافة قناة العربية المقربة من السلطات السعودية للشيخ فتح الله كولن المتهم الأول بتدبير الانقلاب ومن وجه النظر التركية، مما أثار سخط النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي وأيضًا في وسائل الإعلام التركية المقربة من الحزب الحاكم في تركيا.

رفض الرئاسة التركية ورئاسة الوزراء التركية عقد لقاءً تلفزيونيا مع قناة العربية من خلال الإعلامي تركي الدخيل والذي كان يسعي لتسجيل حوار مع القيادات التركية لشرح ملابسات الانقلاب، إلا أن المسؤولين الأتراك رفضوا وفقًا لجريدة الشرق القطرية.

وعلى الرغم من كل ذلك قطع السياسين الطريق على كل من يريد إفساد العلاقات بين الرياض وأنقرة خاصة هناك بعض النشطاء العرب المتطرفين لتركيا ولكن قد يفسدون العلاقات الدبلوماسية للدولة التركية دون إدراك ذلك.

ثالثًا: عودة الدفء بين مملكة البحرين وتركيا

كانت زيارة الملك حمد بن عيسي في أغسطس الماضي هي أول زيارة للملك البحريني منذ ثمانى سنوات، وتهدف الزيارة إلى تطوير العلاقات التركية مع المنامة، وتعد أول زيارة لحاكم لدولة خليجية بعد الانقلاب الفاشل وهذه الزيارة تعبر عن موقف دول الخليج من الانقلاب الفاشل.

البحرين التي تعاني من الاستفزازات الإيرانية المستمرة من خلال دعم الجماعات الشيعية المتطرفة داخل البحرين وتعتبر طهران المهدد الأول لاستقرار المملكة، وكانت أنقرة قد دعمت البحرين ودول الخليج عبر دعمها عملية درع الجزيرة التي قامت بها دول خليجية لدعم الاستقرار في البحرين في فبراير من عام 2011.

رابعًا: العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي

كانت العلاقات التركية الإماراتية متوترة كما ذكرنا بسبب الموقف التركي من مصر، وكانت تركيا في مسعى إلى المصالحة مع الإمارات من خلال عودة العلاقات السياسية والاقتصادية بعد زيارة وزير الخارجية التركي إلى الإمارات أبريل الماضي، إلا أن تركيا ما زالت تنظر للدور الإمارتي في المنطقة بعين الريبة بصفة عامة، وترى أنها على جانب مناوئ للدور التركي الداعم لتيارات الإسلام السياسي والتي تحظرها الإمارات وتكن لها العداء.

وعلى الرغم من تسليم أبو ظبي لجنرالين أتراك متهمين في تدبير الانقلاب فروا من أفغانستان إلى دبي بهدف اللجوء السياسي، إلا أن وسائل الإعلام التركي والنشطاء العرب المدافعين عن الدور التركي في المنطقة يرون أن دولة الإمارات من الدول التى دبرت ومولت الانقلاب، وأن المخابرات الإمارتية والقيادي في حركة فتح الفلسطنية السابق محمد دحلان ضلعوا في تدبير الانقلاب على الحكومة التركية.

بالإضافة إلى استياء تركيا من قناة سكاي نيوز عربية وهي منبر إعلامي يتخد من أبوظبي مقر له، واعتبرو أن القناة منحازة للانقلاب الفاشل أثناء التغطية للأحداث في تركيا، وعبر أكثر من محلل تركي عن ذلك واتهمها بعدم الحياد.

ولكن نحن أمام تسريبات إعلامية وشائعات عن ضلوع دولة الإمارات في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا ولا توجد أي أدلة ملموسة، خاصة أن القيادة التركية لم تتهم دول صراحة بدعم الانقلاب، بل توجه إشارات أن هناك دول كانت سعيدة ليلة الانقلاب في تركيا.

تركيا تريد عودة الاستثمارات الإمارتية إلى تركيا خاصة في مجال العقارات والمقاولات لآن أبوظبي تفضل تمويل المشروعات الكبرى والاستراتجية وأنقرة ملئية بتلك الفرص الواعدة، بالإضافة إلى أن الإمارات تريد مساعدة تركيا في تقليم أظافر إيران في المنطقة خاصة في اليمن والتي تشارك أبو ظبي في عملية إعادة الأمل، لذلك كانت ردود الأفعال هادئة بين البلدين واللتين ترغبان في عودة العلاقات، وفي النهاية دولة الإمارات لن تخرج عن التوافق الخليجي الراغب في تقوية العلاقات مع الدولة التركية.

خامسًا: دولة الكويت وسلطنة عمان

أدانت الانقلاب الفاشل في تركيا ودعمت الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيًا وتجلى موقف دولة الكويت أثناء احتفال السفارة التركية في الكويت بالذكرى الـ 94 لعيد النصر، عندما أشاد السفير التركي مراد تامير بتميز العلاقات التركية - الكويتية عبر تاريخها الطويل، مشيدًا بموقف الكويت المشرف والمساند للشرعية في تركيا منذ اللحظات الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة، كما استقبلت الخارجية التركية السفير العماني قاسم بن محمد الصالحي لدى أنقرة في سبتمبر الماضي حيث نقل السفير رسالة خاصة من وزير خارجية السلطنة يوسف بن علوي تضمنت إدانة مسقط للانقلاب العسكري.

ثانيًا: هل تدعم دول الخليج تركيا في قضية تسليم زعيم حركة الخدمة؟

تواجه الآن تركيا انتقادات دولية من دول فاعلة في النظام الدولي ترفض القرارات والإجراءات التي تتاخذها الحكومة التركية تجاه حركة الخدمة المصنفة إرهابيًا في تركيا، خاصة أن تركيا تعيش تحت حالة الطوارئ التى فرضت عقب الانقلاب الفاشل وعلقت اتفافية حقوق الإنسان مع الاتحاد الأوروبي، كل هذا يفتح على أنقرة أبواب النقد، فوجدت القيادة التركية أن العودة للحليف الروسي سيخفض تلك الانتقادات ويجعل تركيا تمسك بورقة روسيا بيد وبورقة الانسحاب من الناتو باليد الأخرى، دول الخليج أيدت القرارت التركية لمواجهة حركة الخدمة.

التضامن المتبادل

من الممكن أن تتضامن وتتكامل الأهداف والأغراض التركية والخليجية نحو الإدارة الأمريكية خاصة أن هناك قضيتان ملحيتان:

أولاً: قانون مقاضاة السعودية على التورط في أحداث 11 سبتمبر 2001، وثانيًا: رغبة أنقرة في أن تسلم واشنطن زعيم حركة الخدمة المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.

الحلفاء الخليجيون لأنقرة لهم تأثير ونفوذ ولوبي  كبير على الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة (هيلاري أو ترامب)، من الممكن أن تطلب أنقرة من دول مجلس التعاون الخليجي الضغط على واشنطن لتسليم فتح الله كولن، خاصة أن الحكومة التركية سلمت الإدارة الأمريكية ملفًا كاملاً بالاتهامات الموجهة لزعيم حركة الخدمة، وكانت دول خليجية ضغطت على بريطانيا لإعداد تقرير مفصل عن نشاط الإخوان المسلمين في بريطانيا وكان هدف هذا التقرير التضامن مع القاهرة التى تشن حملات ملاحقة ضدهم، ومن الممكن أن تطلب دول خليجية من واشنطن إعداد تقرير مشابه حول أنشطة جماعة الخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما تركيا التي أدانت قرار الكونجرس بإقرار قانون يسمح بمقاضاة السعودية نظرًا لاتهام بعض أفراد العائلة المالكة بالتورط في دعم تفجيرات ايلول 2001، بالإضافة إلى التضامن والإدانات الخليجية والتي اعتبرت هذا القانون يخالف الأعراف والقوانين الدولية، بالإضافة إلى أنه لا يتفق مع المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية، وهنا تكمن نقطة التوافق واللقاء بين أنقرة ودولة الخليج في مواجهة الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة التي أصبحت تتخلى عن أدورها السابقة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الحلفاء التقليدين في المنطقة المتمثلة في السعودية وتركيا خاصة أن الدولتين أدركتا أن واشنطن أصبحت حليفًا لا يمكن الثقة فيه حتى النهاية، لذلك وجدنا تركيا تتودد لروسيا والسعودية التي أصبحت تعيد هيكلة علاقتها الخارجية وأزمة انخفاض أسعار النفط أصبحت تقرب كل من الرياض وموسكو.

التقارب التركي الإسرائيلي وتأثيره على دول الخليج

عودة العلاقات التركية الإسرائيلية قد يخدم بعض القضايا لدولة السعودية التي تشعر أن الولايات المتحدة تستبدل علاقات التاريخية مع الرياض بعلاقات وثيقة بإيران وقد تكون تركيا وسيطًا لتحالف جديد تريد السعودية بناءه في المنطقة يجمع الرياض وأنقرة والقاهرة وتل أبيب لمواجهة المحور الإيراني في المنطقة لذلك دخلت السعودية اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وأكدت التزامها بها بعد استرداد جزيرتي تيران وصنافير من مصر عقب ترسيم الحدود بين البلدين.

بالإضافة للقاء رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي بن فيصل مع مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والذي كان يهدف لمواجهة النفوذ الإيراني وسبل المواجهة المشتركة له، وأيضًا زيارة الجنرال أنور عشقي ضابط المخابرات السعودي السابق إلى تل أبيب.

الخلاصة

العلاقات التركية الخليجية بعد فشل الانقلاب تدخل في مرحلة التكامل والتضامن المشترك بين دول الخليج بقيادة السعودية وتركيا ويبدو أن الفترة القادمة ستشهد نقلة نوعية وتوجهات وفاقية  بين دول الخيلج كدول استراتجية هامة في الإقليم وتركيا كقوى إقليمية سنية تسعى لبناء سياسة خارجية جديدة بعد الانقلاب وتستند إلى مطالب شعبية مثل تسليم الشيخ فتح الله كولن وإعادة عقوبة الإعدام وتتلاقى أهداف دول الخليج وتركيا في بناء سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة.

عن الكاتب

محمد حامد

باحث ماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية متخصص في الشان التركي