جاليا ليندنشتراوس - معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير ترك برس
تمثل استقالة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو نهاية مرحلة. لعب داود أوغلو دورا رئيسا في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية: فبين عامي 2003-2009 شغل منصب مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، وبين عامي 2009 -2014 كان وزيرا للخارجية، ومنذ عام 2014 شغل منصب رئيس الحكومة التركية. كان لأوغلو قبل دخوله معترك العمل السياسي سيرة أكاديمية ناجحة، وقد نجح في إدخال أفكار جريئة (يقول منتقدوه إنها أفكار رنانة) على السياسة الخارجية التركية، وهي أفكار تعبر عن الرغبة في تحقيق سياسة خارجية نشطة ومبادرة، وذلك على النقيض من سياسة السلبية والتفاعل التي اتسمت بها تركيا خلال الحرب الباردة والسنوات التي أعقبتها. هناك من يطلق عليه اسم كيسنجر التركي، بينما يزعم آخرون أن في ذلك مبالغة. ومهما يكن الأمر فحتى اندلاع الاضطرابات العربية عام 2011 كان يبدو أن أوغلو يعمل وفق منهج منظم يهدف إلى تطوير مكانة تركيا في الساحة الدولية.
اتسمت الفترة التي تولى فيها أوغلو منصب رئيس الوزراء بالتوتر الذي دار حول جهود الرئيس أردوغان لتحويل دور رئيس الجمهورية من منصب رمزي إلى الرجل الأكثر نفوذا في البلاد. وقد تجلى هذا التوتر، على سبيل المثال، في أن أردوغان أدار، أكثر من مرة، اجتماعات مجلس الوزراء، على الرغم من أن ذلك من حق الرئيس في حالات استثنائية فقط. وقد أكد أوغلو في خطاب استقالته في الخامس من أيار/ مايو إنجازاته وولاءه للرئيس وللحزب، لكنه لم ينس أن يذكر أن استقالته لم تكن عن رغبة منه.
سيتحدد خليفة أوغلو في مؤتمر خاص لحزب العدالة والتنمية في الثاني والعشرين من مايو، لكن كثيرا من المحللين يرون أن هوية رئيس الوزراء القادم ليست على قدر كبير من الأهمية، لأن كل دوره سيكون تمهيد الأرضية لتمرير دستور تركيا الجديد الذي سيحدد أن نظامها نظام رئاسي. ومن أجل تمرير هذا التغيير في الدستور عبر استفتاء عام يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى 13 صوتا من أعضاء البرلمان عن المعارضة الذين سيحاول رئيس الحكومة الجديد حشدهم معه. وثمة خيار آخر أمام أردوغان هو الذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة، وذلك إذا أشارت التقديرات إلى أن بعض أحزاب المعارضة لن تعبر نسبة الحسم، بحيث يزيد عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية في البرلمان.
قبل الإطاحة بأوغلو، كان أردوغان هو من يصدر القرارات المهمة في إدارة البلاد. وسوف يؤدي تغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسي إلى تعزيز قوته، وهو الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على مقاليد الأمور في البلاد في الوقت الحالي. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ما هي الأهداف التي سيختارها أردوغان بعد أن يصل إلى النظام الرئاسي الذي يرغب فيه منذ زمن بعيد. البرنامج الذي يتبناه أردوغان منذ سنوات، ويتوقع أن يمضي قدما بعد تغيير نظام الحكم، هو تحقيق أهداف ضخمة بمناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية في 2023 ، حيث أعلن أخيرا عن رغبته في أن تعتمد تركيا على نفسها في الصناعات العسكرية بحلول هذا العام.
أما أوغلو فقد كانت قضايا السياسة الخارجية محببة لديه، وعمل بجد في هذه المسألة، وقبل استقالته القسرية سعى في سبيل إلغاء تأشيرات الدخول للأتراك الراغبين في زيارة أوروبا (منطقة الشينغين). وعلى ضوء التزام تركيا بشروط الاتحاد الأوروبي ال72 تعاونت المفوضية الأوروبية وأوصت بأنه بدءا من شهر يونيو القادم، على الأقل، لن يحتاج بعض الأتراك إلى تأشيرة الدخول عند سفرهم إلى أوروبا. لا تزال تركيا الدولة الوحيدة على قائمة الدول المرشحة رسميا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي يحتاج مواطنوها إلى تأشيرات. وكان أحد التنازلات المثيرة التي قدمتها تركيا من أجل التوصل إلى صفقة مع الاتحاد الأوروبي هو إعلانها رفع تأشيرة الدخول عن مواطني الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الجمهورية القبرصية (قبرص اليونانية) . ومع ذلك يتوقع أن يكون هناك مزيد من العقبات حتى التوصل إلى اتفاق نهائي في حزيران/ يونيو، حيث أظهر أردوغان موقفا قويا وغير متنازل في هذا الصدد، وهو ما يوحي بعدم وجود معاون له يلعب دور العنصر الملطف، وهو الدور الذي لعبه أوغلو كرئيس للوزراء في السياق الأوروبي.
بالنسبة لإسرائيل، فإن تأثير داود أوغلو الكبير على السياسة الخارجية التركية من بين العوامل التي أدت إلى تدهو العلاقات بين إسرائيل وتركيا. جاءت سياسة "إعادة اكتشاف الشرق الأوسط" التي قادها أوغلو على حساب العلاقات مع إسرائيل إلى حد كبير. صحيح أن أردوغان ظهر في صورة البطل في أوساط الشعب العربي في عدد من الدول بسبب تصريحاته العنيفة ضد إسرائيل، لكن داود أوغلو هو من وضع مضمون هذه السياسة. أوقفت الاضطرابات العربية استمرار تنفيذ سياسات أوغلو الطموحة في العالم العربي، واستوجبت الأزمة التركية الروسية في أعقاب إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين ثاني/ نوفمبر 2015 العودة إلى السياسات الواقعية. وهذا هو السياق الذي يجب النظر من خلاله إلى رفع الفيتو التركي عن التعاون بين إسرائيل وحلف الناتو. ورغم ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل التطورات السياسية الداخلية الحالية في تركيا ستبطئ من عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!