مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

إن مثل هذا التصريح لزعيم حزب الشعب الجمهوري: "إن الانتقال للنظام الرئاسي لا يتم دون إراقة الدماء".

يدل بشكل واضح على الإفلاس السياسي لحزب الشعب الجمهوري وزعيمه، وفشله في القيام بدور المعارضة البناء، الذي يكمل عمل الفريق الحكومي ويوجهه وينبه إلى أخطائه كباقي معارضات العالم الديمقراطي.

لكن يظهر بوضوح أن حزب الشعب الجمهوري يمر بأسوء فترة بتاريخه السياسي، حيث فشل منذ وصول حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب الطيب أردوغان إلى الحكم عام 2002، في هزم "أردوغان وحزبه" في أي استحقاق انتخابي أو استفتاء والتي تجاوزت 11 استحقاقا ديمقراطيا.

كما لم يستطع أن يكون حزبا معارضا قويا داخل البرلمان التركي، فكان شعاره الدائم طيلة هذه الفترة "مستقيمان متوازيان لا يلتقيان"، حتى لو كانت مصلحة تركيا والشعب التركي تفرض ذلك، كدعم الجيش التركي ورجال الشرطة في حرب ضد المنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي.

التحدث بهذا الأسلوب الدموي وبلغة المنظمات الإرهابية والمجرمين، كان نهاية لسلسلة من تصريحات والأعمال الغير الديمقراطية صدرت من "كيليجدار أوغلو" طيلة فترة تزعمه لحزب الشعب الجمهوري، والتي كانت دائما تميل إلى الراديكالية و التطرف، والبعد عن أيدولوجية الحزب وأفكاره واختياراته الكلاسيكية.

وأصبح خطابه قريبا من خطاب "حزب الشعوب الديمقراطي" والمعروف من أين يأتي بمواقفه وسياسته.

لذا فحزب الشعوب ومواقفه وأفكاره بالنسبة للأتراك حزب متناسق مع تاريخ المنظمة الإرهابية التي تديره، بخلاف حزب الشعب الذي يملك تاريخا سياسيا وإن اختلف الأتراك حول هذا التاريخ مدحا ونقدا، أليس هو أول حزب تشكل بتركيا ومؤسسه هو مؤسس الجمهورية التركية الحديثة "أتاتورك" ، والذي منح الحزب نسبة 28% من ملكية بنك المركزي.

وقد لخص الكاتب التركي "برهان الدين دوران" في مقال "هذا الأمر يشوبه حرج" في موقع ترك بريس. حالة حزب الشعب الجمهوري وسبب تصريحاته قادته المتهورة والغير الناضجة، قال الكاتب: "أفرز الحزب- حزب الشعب الجمهوري- في تحضيراته الأولية لانتخابات السابع من حزيران/ يونيو والأول من تشرين الثاني/ نوفمبر لنا الأعضاء الأكثر تطرفا وتمسكا بهويتهم لنشهد حالة من العودة نحو "الهوية"، اليوم نرى كذلك أن قيادة الحزب وصلت إلى أيدي سياسيين قادرين على النزول إلى الشارع لتشكيل تنظيمات ومستعدين لممارسة السياسة بنهج القوة والعنف، وهو ما يدفعنا إلى التفكير بان تمسك كيليجدار أوغلو بوصف رئيس الجمهورية بالـ"دكتاتور" هو نتيجة طبيعية للقوة التي يستمدها من هؤلاء السياسيين ..الوضع الراهن للحزب واستمراره في سياسته هذه سيتسبب بفجوة حادة بين القاعدة التقليدية للحزب وبين الإدارة التنظيمية له، فتجمع اليساريين وتمركزهم لمواجهة حزب العدالة والتنمية أدى إلى تحلل الحزب لينتج حزبًا جديد أو وجها جديدا له يحمل هوية جديدة تقوده إلى لعب أدوار مختلفة وممارسة ردود أفعال غريبة عنه).

لقد ابتعد حزب الشعب الجمهوري عن النهج الذي من أجله أسس، فتصريح كيليجدار أوغلو وأعضاء حزبه هذا، ليس الأول فقد سبقته تصريحات خطيرة وعنصرية، منها من يصنف ضمن خانة الخيانة العظمى، وهذه بعضها:

- وصف  كيليجدار أوغلو المستمر لرجب طيب أردوغان بديكتاتور، سواء حينما كان رئيسا للوزراء أو عند شغله منصب رئيس الجمهورية، وبموافقة الحال والمقال لأعضاء حزب الشعب الجمهوري (المؤتمر العام الخامس والثلاثين للحزب أنموذجا)، واخر مرة وصف فيها  كيليجدار أوغلو أردوغان بهذا الوصف، تصريحه لصحيفة "بيلد" الألمانية، حيث قال: (أردوغان ديكتاتور لا مثيل له).

- اتهام الحكومة التركية ومن وراءها الجيش التركي ورجال الشرطة بقتل الأكراد الأبرياء والمقصود "إرهابيو جبل قنديل".

- اتهام أردوغان وحزبه بدعم تنظيم "داعش" الإرهابي وباقي المنظمات الإرهابية التي تستهدف الأتراك.

- تصريح أحد أعضاء الحزب البارزين بأنه إذا قامت حرب بين تركيا وإيران سيقف بجانب إيران، وتصريح اخر بالمعنى نفسه بعد حادث سقوط الطائرة الحربية الروسية والأزمة التي كانت بين تركيا وروسيا.

- تهجم كيليجدار أوغلو على وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية سما رمضان أوغلو (محجبة)، بعبارات خادشة للحياء، تخالف الآداب العامة، حيث لقي على أثرها انتقادات وتنديدات واسعة من مختلف مكونات الشعب التركي، هذا التهجم  كشف الوجه الحقيقي المتخلف والرجعي للزعيم المتمسك بقشور العلمانية والحداثة، الفشل أخلاقيا وسياسا.

- الإساءة لمنصب الرئاسة التركية فالإساءة المستمرة بمناسبة وغير مناسبة لرئيس الجمهورية، وهو أول وأعلى موقع مؤسساتي في الدولة التركية، هي إساءة لشعب التركي بكافة أحزابه السياسية وتياراته الفكرية وقومياته، خصوصا كونه منتخب من قبل من طرف الشعب التركي بنسبة 52 بالمئة، واجه فيها الطيب أردوغان 14 حزبا سياسيا وانتصر عليها من الدور الأول.

وغيرها من المواقف والتصريحات التي توضح بجلاء الإفلاس السياسي لحزب الشعب الجمهوري وزعيمه، والإفلاس في الواقع ظهر بوضوح في  مؤتمره العام الخامس والثلاثين، حيث انتخب كمال كيليجدار أوغلو قائدا للحزب، رغم كل الفشل والإخفاقات التي مني بها خلال فترته زعامته للحزب، مؤتمر أسكت فيه  كيليجدار أوغلو كل صوت داع إلى التجديد وضخ دماء جديدة في الحزب، فكانت النتيجة تحول حزب الشعب الجمهوري العلماني إلى حزب عقائدي طائفي بدخول 42 شخصية علوية لمجلس قيادة الحزب المركزية من أصل 52، وإقصاء باقي التوجهات والآراء المخالفة لزعيم الحزب.

لكن دائما أفضل رد على كل تصريحات كمال كيليجدار أوغلو تأتي من أردوغان حيث قال رادا على التصريح الدموي بقبة البرلمان التركي: "إن الشعب هو الوحيد المخول للبت في هذا الأمر، وليس لكيليجدار أوغلو الصلاحية أو القوة لمعارضة ذلك، ففي حال صوّت الشعب التركي لصالح الانتقال إلى النظام الرئاسي، فعليه وقتها متابعة هذا الانتقال كالحمل الوديع".

لاشك أن ليس الرئيس التركي وحده من يهمش زعيم حزب الشعب الجمهوري، بل أصبح هذا موقف سلوك عند شريحة كبيرة من الشعب التركي، خصوصا في ظل الانقسامات التي يعرفها الحزب حول عدة مواضيع منها العمليات العسكرية ضد المنظمات الإرهابية والنظام الرئاسي وغيرها.

فلو قرر أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة أخرى، فلا شك أن هذا الانقسام داخل الحزب والخطاب السياسي العقيم والضعيف للحزب، والتهميش الذي أصبح يتعرض له الحزب وزعيمه، حيث تعرض كليشتدار أوغلو للضرب بالبيض من أحد المحتجين الأتراك، وصرخ بوجهه "لماذا جئت إلى هنا" خلال مشاركته في تشييع جثمان أحد عناصر الأمن التركي، الذين قتلوا على يد عناصر من حزب العمال الكردستاني خلال اشتباكات في ماردين.

كل هذا سيلق بظلاله على نتائج الحزب في انتخابات برلمانية مبكرة إذا وقعت، فقد يخسر مقاعده البرلمانية وكذلك معركة "النظام الرئاسي" التي من أجلها أخرج "خطاب الدم والنار".

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي