محمد زاهد جول - الخليج أونلاين
بعد أكثر من ثلاثة أشهر والساحة البرلمانية والسياسية والشعبية التركية منشغلة بمسألة رفع الحصانية عن نواب أتراك يوجد في حقهم مذكرات لدى القضاء التركي، وافق برلمان تركيا يوم الجمعة 20/5/2016 على مشروع قانون إسقاط الحصانة من المحاكمة عن النواب، في تغيير دستوري له ما بعده من تأثيرات يتمنى الشعب التركي أن تكون إيجابية ولصالح تركيا، بينما يتمنى من يخشون العدل أن يكون لصالحهم فقط، وهؤلاء السلبيون لا يمكن إطلاق وصف المعارضة التركية عليهم كما يخطىء البعض، لأن قرار التعديل الدستوري برفع الحصانة ما كان له أن يكون قرارا بدون أصوات المعارضة البرلمانية، وبالأخص أصوات حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري، فهما الحزبان اللذان حسما أن يكون إقرار التعديل الدستوري من خلال البرلمان وليس من خلال الاستفتاء كما توقع البعض، مما يتطلب توضيح بعض النقاط.
1 ـ يملك حزب العدالة والتنمية 316 نائبا في مجلس النواب التركي اليوم، ولو صوت جميعهم مع القرار لما تم تمرير القرار بأصواتهم فقط، لأن رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان أعلن أن التصويت أجري بالاقتراع السري ونال تأييد 376 نائبا من أصل 550، أي ما يزيد عن ثلثي الأعضاء، مما سمح بتبنيه مباشرة، وهذا زيادة عن أصوات حزب العدالة والتنمية كاملة، فهناك ستون صوتا من خارج حزب العدالة والتنمية على الأقل، وعندما صوت حزب الحركة القومية مع القرار في المرة الأولى يوم الثلاثاء 17/5/2016 ولم يصوت نواب حزب الشعب الجمهوري لم يتم إقرار التعديل الدستوري، حيث نال التصويت 347، مما يؤكد أن نواب حزب الشعب الجمهوري قد شاركوا في إقرار هذا التعديل، والحزب الوحيد المحتمل أن لا يكون نوابه قد صوتوا للقرار هو حزب الشعوب الديمقراطي، أي أن اقرار التعديل الدستوري قد تم من ثلاثة أحزاب من بين أربعة أحزاب، أحدها الحزب الحاكم وإثنان من احزاب المعارضة، ومن عارض التعديل هو حزب الشعوب الديمقراطي فقط، وليس أحزاب المعارضة.
2 ـ أن حزب الشعوب الديمقراطي هو صاحب الدعوة الأولى لهذا التعديل، لأن مقترح حزب العدالة والتنمية كان أن يتم حصر رفع الحصانة عن النواب المتهمين بتأييد العمليات الارهابية التي تضرب البلاد، ومن يثبت عليهم ذلك، فجاء اقتراح حزب الشعوب الديمقراطي بتحدي اقتراح حزب العدالة والتنمية، بان يكون رفع الحصانة البرلمانية عن كل النواب ومن كل الأحزاب الذين عليهم مذكرات قضائية، وكان في ظن حزب الشعوب الديمقراطي انه بذلك ينجي نوابه من المسائلة القانونية وهم يدافعون عن الإرهابيين، وراح حزب الشعب الجمهوري إلى تأييد اقتراح حزب الشعوب الديمقراطي، بحكم التحالف المريب بينهما منذ منتصف عام 2013، مع حليفهم الثالث في الريبة الموصوف بالكيان الموازي، الذي يتلقى أوامره من بانسلفانيا بامريكا.
ولكن حزب العدالة والتنمية قبل التحدي ووافق على الاقتراح الذي تقدم به حزب الشعوب الديمقراطي وأيده حزب الشعب الجمهوري وتقدم باقتراح تعديل الدستور لرفع الحصانة البرلمانية عن كل النواب الذي يوجد بحقهم مذكرات قضائية مهما كان حزبهم وعددهم، بما فيهم نواب حزب العدالة والتنمية، وهو ما قلب الطاولة على صلاح الدين ديمرطاش وكمال كلجدار اغلو فكلاهما سترفع الحصانة البرلمانية عنهما بعد إقرار هذا التعديل الدستوري من رئيس الجمهورية، وهذا يؤكد أن القرار لا علاقة له بدعوى استعداء حزب العدالة والتنمية القضاء أو البرلمان ضد حزب الشعوب الديمقراطي او ضد نوابه او ضد الأكراد الأتراك كما يحلو للمريبين ان يتحدثوا، فالمسألة دستورية برلمانية في هذه المرحلة، وسوف تنتقل إلى القضاء والمحاكم في المرحلة التالية، لأن محاكمة هؤلاء النواب بغض النظر عن أحزابهم لا يتم محاسبتهم من قبل لجان البرلمان، طالما أن القضاء التركي العادل يطلبهم بمذكرات رسمية وقانونية.
3 ـ لا يوجد في هذا التعديل الدستوري أي أستهداف لحزب بعينه، ولا لقومية معينة، وليس ضد الحريات العامة، ولا ضد حرية التعبير، كما يحلو لبعض الأصوات القادمة من اوروبا أو أمريكا أو غيرها أن تغرد خارج القضية التركية، فالأوروبيون لا يفكرون بالمشكلة الأمنية التركية ولا بالارهاب الذي قتل المئات في تركيا ولا يزال يقتلهم يوميا، ويصدرون أحكامهم وهم لا يشعرون بمأسي الشعب التركي وآلامه، بينما لما تعرضت باريس لقليل من الارهاب وقف الأتراك إلى جانبهم وكذلك في بروكسل وغيرها، فلماذا حرام على الأتراك أن يضعوا من القوانين ما يحمي مجتمعهم ومواطنيهم من الارهاب، وحلال على فرنسا وغيرها ان تعلن أنها في حالة حرب وتضع البلاد في حالة طوارى قصوى لمقتل العشرات؟
هذا لا يقلل من مآسي الإرهاب في أوروبا ولكن ازدواجية المعايير الأوروبية أصبحت مكروهة جدا لدى الشعب التركي، فما تتعرض له تركيا من عمليات ارهابية على أيدي التنظيمات الارهابية مثل داعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وتهريب الأسلحة إلى تركيا، ونقلها إلى الارهابيين على أيدي نواب أتراك، او بمساعدتهم وتأييدهم، بحسب التهم المواجهة لبعضهم، كل ذلك أعمال إرهابية، من حق الشعب التركي وبرلمانه وحكومته المطالبة بمحاكته، وتحويله للقضاء العادل، للسلطة القضائية وحدهال حق محاكمته، والمحاكم هي من ترسل من تثبت عليهم التهم القضائية إلى العقوبة التي يستحقونها، فبعض المطالبات القضائية على مخالفة إشارة مرور مثلاً.
4 ـ لا شك أن مثل هذا الاقرار الدستوري قد يثير بعض المشاكل في المرحلة الأولية داخل تركيا وخارجها، بسبب محاولة البعض استثمارها في زيارة التوتر الاجتماعي بين الاثنيات التركية وبالأخص مع أبناء الاثنية الكردية، وهذه مغالطة يكررها بعض وسائل الاعلام الداخلي والخارجي، بان المستهدف في هذا التعديل الدستوري هو التمثيل الكردي في البرلمان، وأنه يتم العمل لإخراجهم من البرلمان والعملية السياسية، بدوافع استبدادية وتسلطية وقمعية، ويتم تصوير الأكراد كضحايا في هذه المرحلة السياسية من حكم حزب العدالة والتنمية، ويتم ربطها مع الدعوة إلى تعديلات دستورية على النظام السياسي في تركيا، وجعله نظاما رئاسيا من قبل الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وما صاحب ذلك من تغيرات على مستوى رئاسة الحزب والحكومة مع استقالة أحمد داود اغلو المرتقبة.
هذا الربط الهلامي يزيد من غباشية المشهد السياسي، فلا علاقة بين التعديل في رفع الحصانة البرلمانية عن النواب الذي أقره البرلمان التركي، وبين التعديل على الدستور بخصوص النظام الرئاسي الذي يسعى له حزب العدالة والتنمية وحكومته القادمة، فالتعديل برفع الحصانة يعالج مسألة أمنية تواجه الشعب التركي، فلا يوجد شعب يوافق ان يكون من نوابه في البرلمان من يدافعون عن الارهاب الذي يقتل أبناءه المدنيين والعسكريين على حد سواء، فالشعب التركي شاهد العمليات الارهابية وهي تستهدف الحافلات في الطرق العامة وتقتل السياح الأجانب، وتقتل الأطفال والنساء في المنتزهات، وتهاجم الدوريات العسكرية وتقتل الجنود الأتراك كل يوم، فهل يوافق ان يكون من أعضاء مجلس الأمة التركي الكبير من يؤيد هذه العمليات الارهابية أو يساعد على تنفيذها، أو من لا يندد بها.
أما قضية تعديل النظام الرئاسي فمن حق حزب الشعوب الديمقراطي او حزب الشعب الجمهوري أن يكون معارضا لها، ولكن بالطرق القانونية وليس بالتهديد بسفك الدماء في الشوارع، كما صدر ذلك عن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أغلو ، ولا بتأييد مهاجمة معسكرات الجيش، ولا بتشجيع مهاجمة المقرات الحكومية المدنية والعامة، ولا حجة لإخراج نواب معارضين للنظام الرئاسي من مجلس النواب حتى لا يكونوا في معارضة تعديل الدستور للنظام الرئاسي، لأن تعديل النظام الرئاسي سيتم من خلال البرلمان وبنفس الإعداد، وإلا تحول الأمر إلى الاستفتاء الشعبي، فلا رابط بين الأمرين من الناحية الدستورية، ولا من ناحية المعارضة الحزبية أيضاً، وإلا لما صوت نواب حزب الشعب الجمهوري على اقرار التعديل الدستوري برفع الحصانة عن النواب أصلاً.
مع العلم أيضاً أن ليس كل نائب تم رفع الحصانة عنه فهو مدان من قبل القضاء مباشرة، بل لا بد أن تتم محاكمته بعدالة ومن تثبت براءته سيبقى في مجلس النواب، ومن تثبت إدانته سوف يتم التعامل معه وفق الدستور التركي، إن كانت درجة الادانة توجب السجن أو الغرامة المالية أو غيرها.
وفي كل الحالات فالأمر لا علاقة له بتهمة دكتاتورية الرئيس، أو أن حزب العدالة والتنمية وحكومته قد تغولت أو هيمنت على البرلمان وأفقدته حريته وتمثيله للشعب التركي، لأن النواب (376) الذين صوتوا على التعديل يمثلون 68.34% من البرلمان التركي، فهل هؤلاء النواب يمثلون شعبا آخر غير الشعب التركي، ولا يمكن القول أيضا أن هؤلاء النواب يمثلون الإثنية التركية وليس الكردية، لأن حزب العدالة والتنمية يمثل الأكراد في تركيا أكثر مما يمثله حزب الشعوب الديمقراطي، وفي المقابل نصف نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان هم من الاثنية التركية وليسوا أكراداً أيضاً، فمعزوفة الصراع القومي أو اضطهاد الكراد في تركيا لا يتقبلها الشعب التركي، فلا يوجد منصب سياسي او امني أو عسكري يمنع منه الأكراد او غيرهم من أبناء القوميات التركية.
وليس صحيحا أن رفع الحصانة ستزيد العنف، أو أنها تخنق الديمقراطية في تركيا، بل ستوفر للشعب التركي القناعة بان هذا البرلمان يمثله ويدافع عنه، أما من يهرب من النواب إلى خارج البلاد بسبب هذا التعديل الدستوري فهو دليل إدانة على نفسه، فقد هرب "فيصل ساري يلدز" النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي في ولاية شرناق، و"طوبى هزير" النائبة عن الحزب ذاته في ولاية "فان"، إلى أوروبا، قبل صدور القرار بساعات، ولكن ذلك لا يعفيهم من المثول امام المحاكمة ولو غيابياً، وفيصل ساري متهم بنقل أسلحة للارهابيين، أي هو شريك لهم في قتل أبرياء من الشعب التركي، ويريد ان يحتمي بالحصانة البرلمانية، وهذا ما لا يقبل شعب ولا قانون، ولا حقوق إنسان، لا في تركيا ولا في أوروبا ولا غيرها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس