جلال سلمي - خاص ترك برس
عقب احتقان العلاقات التركية الروسية وعدم وقوف الولايات المتحدة الأمريكية على المسار الذي توقعته تركيا منها تدهورت الأوضاع في سوريا وغيرها من مناطق الصراع. قلبت تلك الصورة الخطط التركية ظهرًا على عقب واضطرت تركيا للاتجاه نحو إعادة علاقتها الحميمة مع الدول العربية التي تدهورت علاقتها مع تركيا عقب تنافر الموقفين التركي العربي فيما يخص ثورات الربيع العربي.
منذ اشتعال فتيل الأزمة التركية الروسية الناتجة عن إسقاط تركيا للطائرة الروسية المخترقة لأجوائها، ادعى الكثير من الخبراء السياسيين الأتراك بأن تركيا تتجه نحو عزلة سياسية إقليمية ودولية ويجب عليها توخي الحذر من السقوط بها من خلال إعادة تقييم علاقتها مع الدول العربية الإقليمية التي يتفق موقفها مع الموقف التركي فيما يخص القضية السورية التي تشكل المحور الأساسي في الفترة الحالية.
هذا الادعاء النظري الذي ظهر للسطح قبل ست شهور تُرجم على أرض الواقع عقب زيارة وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو"، خلال الشهر المنصرم، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل القوة الأكبر على صعيد القطب المضاد لدعم ثورات الربيع العربي، وتأكيده على ضرورة إعادة العلاقات التركية الإماراتية إلى عهدها القديم بعد حالة الجمود التي أصابتها منذ عام 2013.
وصرح تشاووش أوغلو، عقب زيارته، بأن هذه الزيارة ستعقبها المزيد من الزيارات لدول عربية أخرى على رأسها البحرين والكويت، مشيرًا إلى أن هناك حالة جمود واضحة أصابت العلاقات التركية العربية نتجت عن الاختلاف في بعض المواقف، ولكن هذا الاختلاف لن يتمكن من تعطيل العلاقات التركية العربية على الصعيد الاستراتيجي، "لما تتحلى به علاقتنا من تشابه في الرؤى الاستراتيجية".
محاولة الطرفين التركي والعربي إعادة العلاقات الدبلوماسية التعاونية المتبادلة فيما بينهما إلى سابق عهدها، بل إلى مستوى أعلى مما كان عليه السابق، ولكن عند إمعان النظر في التطورات والتغيّرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن هذا التقارب الذي ظهر للسطح مؤخرًا، بحاجة إلى وتيرة أسرع ومستوى أعلى ونطاق أوسع لكي يتم تلافي النتائج السلبية التي تسبب بها التباعد الملحوظ بين الطرفين نتيجة تنافرهم القطبي فيما يتعلق بالتحرك الثوري للشعوب العربية.
هذا وقد نتج عن تنافر الطرفين التالي:
ـ سقوط اليمن في أيدي الحوثيين.
ـ تفرد النظام السوري وحلفائه بالسيطرة على مجريات الحرب في سوريا، وتشتت قوات المعارضة نتيجة تشتت الأطراف الداعمة لها، وكما أن روسيا لم تقدم على التدخل العسكري إلا لوجود فراغ عسكري واضح على الساحة السورية، ذلك الفراغ الذي كان من الممكن أن يملأه تحالف مبكر بين تركيا ودول المنطقة العربية.
ـ انتشار الفوضى العارمة في ليبيا: لا ريب بأن هناك تباين عميق بين تركيا وبعض الدول العربية في مواقفهم تجاه تقييم الثورة الليبية، ففي حين حاولت تركيا دعم الثورة والديمقراطية في ليبيا، اتجهت بعض الدول لدعم حفتر المنقلب على العملية الديمقراطية، مما نتج عنه انتشار للفوضى العارمة وظهور الانفلات الأمني وسيطرة داعش على بعض المناطق في ليبيا وخاصة سرت.
في الحقيقة خشيت بعض الدول العربية، وخاصة الدول الملكية، انتقال رياح الثورة العاتية إلى داخل أحضانها، ولكن عوضًا عن الاختصام السياسي والعسكري كان يمكن لتلك الدول التشاور في ذلك، بحيث تُبدي الدول الملكية حساسيتها تجاه الثورات، وفي هذه الحال يمكننا الجزم بأن تركيا والدول الأخرى الداعمة للثورات كانت ستستوعب تلك الحساسية وستتحرك بشكل يخدم مصالح الجميع.
ـ تربع إيران على المنافذ البحرية: حيث أن احتلال إيران لليمن عبر الحوثيين وفتح عدة قواعد بحرية لها في أريتريا، والسيطرة على العراق بالوكالة وتحريض الشيعة في البحرين، ما هي إلا تحركات تهدف السيطرة على الطريق البحري للنفط العربي من خلال السيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب، ولو لم تدخل المملكة العربية السعودية عسكريًا في اليمن في الوقت المناسب لحققت إيران ما بغت إليه، ولأصبح النفط الخليجي يتحرك عبر نقاط تحكم إيرانية مباشر أو بالوكالة، لو تحققت هذه النقطة لكان الخليج وقع تحت سيطرة إيران، إذ أن تعرض المصدر الأساسي للدخل الخليجي تحت سيطرة إيران يعني وقوع الخليج بإثره تحت سيطرتها.
تنافر تركيا والدول العربية نتيجة تباين مواقفها نتج عنه نتائج سلبية صبت في صالح إيران وروسيا وأضرت بشكل كبير بالمصالح التركية العربية المشتركة، إذ أصبحت تركيا معرضة لخطر استراتيجي ناتج عن التهديد الكردي، وباتت الدول الخليجية معرضة لخطر استراتيجي ناتج عن التهديد الشيعي المدعوم من قبل إيران.
على الرغم من اختلاف المواقف بين الطرفين، إلا أنه كان يمكن لهم احتواء ذلك سياسيًا بدلًا من المقاطعة الدبلوماسية الحادة، حيث أن تقارب الطرفين كان سيتمخض عنه الكثير من النتائج الإيجابية على الأوضاع في المنطقة.
عقب تراكم النتائج السلبية للتنافر، انتبهت الأطراف لحدة المخاطر المحيطة بها، فاتجهت إلى إعادة تشكيل اللعبة الدبلوماسية على شكل يساهم في إزالة حالة الجمود الطاغية للعلاقات المتبادلة فيما بينم، حيث يمكن أن ينتج عن التقارب الدبلوماسي الكثير من النتائج الإيجابية التي تصب في صالح مصالح المنطقة، ولكن الأطراف بحاجة إلى وتيرة عمل تعاونية أكثر نشاطًا مما هي عليه الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس