أبو يعرب المرزوقي
لم أر أسخف ممن يعيب على أردوغان سعيه لحل وسط مع إسرائيل ومع روسيا.
وينسون أن سعيه مع الأنظمة العربية بين له أنهم لا يعول عليهم في شيء مديد.
فليس هو أول من ركض نحو إسرائيل ونحو بوتين.
فقد سبقه إليهما كل أنظمة العرب بلا استثناء.
لكنه هو يفاوض ويحصل على الحد المعقول بين دول محترمة.
أما هم فما يزالون معتقدين أن دبلوماسية الصك وحدها يـحسب لها ذوو النظرة البعيدة حسابا خاصة وهو مال سائل ينزلق بين الأصابع فيذهب رشاوى وتبذيرا.
حاول المسكين أن يعيد تركيا إلى الحضن الإسلامي فلم يجد إلا صدا:
بات من لم يتجاوز الجاهلية يلومه على العلمانية وهي أقرب إلى الإسلام منها.
فهو رئيس منتخب بشرعية لا يشكك فيها العدو فضلا عن الصديق.
أما من باعوا أرواحهم لإسرائيل وينتصحون بقهواجي انجلترا توني بلار أو لاورنس العرب الجديد فهم يدعون أنه علماني.
ومهزلة المهازل أن بشار الجزار يدعي أن أردوغان دكتاتور لأنه هو الذي ضرب شعبه بالكيمياوي وقتل من شعبه نصف مليون وهجر نصفه وباع سيادة وطنه ليحمي طائفته و نظامه.
الحاكم الشرعي من حقه أن يناور وأن يأخذ ويعطي في العلاقات الدولية.
ولولا دهاء معاوية وحنكته في التعامل مع بيزنطة حتى رتب الجبهة الداخلية وقضى على أذيال الفتنة الكبرى.
لولا مناورات معاوية لما أمكن لعبد الملك بن مروان بعده بعقود أن يسترد سيادة الدولة اللسانية والاقتصادية بتعريبهما وعكس العلاقة مع بيزنطة.
أردوغان هو معاوية العصر له من الدهاء والذكاء ما يجعله طليق اليدين في المناورة دون أن يفقد ثقة شعبه لأنه جعل تركيا قوة صلبة ومباهية بهويتها.
لذلك فإني رغم أني لست تركيا أؤيد مناورته مع إسرائيل وروسيا ولو كان حكام العرب يخططون مثله لأسباب القوة لنصحتهم بأن يفعلوا مثله استعدادا للجلائل وابتعادا عن الرذائل.
فمفهوم الهدنة عند قادة العرب للنوم.
أما عند قادة الأتراك فهو لاستكمال شروط القوة التي تجعل الصدام إن حصل يكون لصالحهم عملا بالآية 60 من الأنفال.
أكثر شعوب الإسلام ابتعادا عن قيم القرآن وأخلاق الإسلام هم العرب عامة وحكامهم خاصة ونخبهم بصورة أخص:
فهم فقدوا الأصيل دون تحصيل الحديث.
تركيا التي ليس لها ما لدى أقل إمارة عربية صارت قوة.
والعرب تفاخر علي أحد أغبيائهم وضع د. قبل اسمه بأن لهم دبي.
وهي في الحقيقة هندية إيرانية.
ما أظن بقي فيها عربيا عدا العقال مع غلبة القبعة.
ولن يمر وقت طويل قبل أن تطالب بها الهند لأن أغلب سكانها من أبنائها.
والدول بسكانها وليس بهوية تدعيها.
أكاد أعاف الكلام في كل شأن عربي لكثرة ما أراه من أعمال لو كانت الصفوية والصهيونية خططت لها لما نجحتا في تحقيق ما حققوه لهما عن طيب خاطر.
أقولها وأعيدها:
العلمانية اقرب نظام للنظام الذي ينصح به القرآن:
فهو ينصح بحماية دولة الإسلام كل الأديان (المائدة 48)
وبحرية المعتقد (البقرة 256).
والإسلام يرفض وجود سلطة روحية وسيطة.
ويرفض الحكم بالحق الإلهي.
ويرفض الحكم الوراثي.
ويرى الحكم أمر الجماعة تديره بالتشاور (الشورى 38).
فـ”أمرهم شورى بينهم” عندما نترجمها بالمصطلح السياسي تعطينا:
“أمر+ الجماعة” يعني حرفيا “راس بوبليكا” باللاتينية.
و”شورى بين الجماعة”يعني ديمقراطية باليونانية.
وذلك هو مدلول الدستور التركي الغني عن أي أسلمة لأنه جمهورية ديموقراطية.
فالشعب هو الذي يختار الحاكم بحرية تامة ليعبر عن إرادته غير التابعة ولم يشكك فيها الغرب رغم حرصه على ذم أردوغان.
ولعل الانتخابين المتواليين الأخيرين دالان كبير الدلالة على أنه يخسر ويربح ديموقراطيا ولا يزيف الانتخابات مثل كل الجمهوريات الوراثية العربية.
تركوا الفلسطينيين للعنجهية الإسرائيلية وهم عرب على الأقل بالاسم ويريدون من أردوغان أن يضحي بمصلحة بلاده من أجلهم رغم أنه لم يقصر لصالحهم.
مولوا خائن مصر وفلسطين والإسلام ويناصبون العداء لمن يحاول إرجاع تركيا لحضن الأمة بسياسة شعرة معاوية مع الأعداء في الداخل والخارج لأنه علماني. عجيب أكاد أجزم أن أردوغان الذي لم ألقه إلا مرة واحدة أكثر تدينا وتعبدا من الكثير من حكام العرب ذلك أني أعلم أنه ليس منافقا مثل الكثير منهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس