عبد الله لبابيدي - خاص ترك برس

أصبحت وسائل الإعلام إحدى المكونات الأساسية للجهاز السياسي للدولة، حيث تستخدم الدولة الإعلام كأداة لإدارة الأزمات السياسية وتعمل على ربط الجماهير وتنويرها بحقائق هذه الأزمات، ويسهم الإعلام في دعم توجيهات الدولة ودفع الجمهور نحو المشاركة السياسية، والتمهيد للقرارات التي يتخذها النظام السياسي، والمتغيرات التي يتعامل معها.

ويعتمد النظام السياسي على مصادر وسائل الإعلام للحفاظ على النظام السياسي من خلال عمليات تكوين الرأي العام، وتعبئة المواطنين لتنفيذ الأنشطة السياسية استعدادًا لمواجهة الانقلاب، كما يعتمد النظام السياسي على وسائل الإعلام في زيادة وتدعيم الشعور بالمواطنة، وتثبيت القيم والمعايير، في الوقت الذي تعتمد فيه وسائل الإعلام على النظم السياسية في الحصول على المعلومات الرسمية وغير الرسمية، لمواكبة الأحداث ونشرها، وهذا ما حصل عبر استخدام الإعلام التركي لبرنامج (فيس تايم) من أجل الاتصال بالرئيس التركي في بداية الأزمة.

وبالتالي فإنّ العلاقة بين النظام السياسي السائد ووسائل الإعلام بشكل عام، علاقة تعاون واعتماد متبادل.

والإعلام التركي في هذه الأزمة زاوج بين الإعلام والسياسة، فهو يستخدم الإعلام بصفته وسيلة، ويستخدم السياسة بوصفها مضمونًا.

وبرزت أهمية وسائل الإعلام في هذه الأزمة في اتخاذ القرار السياسي في نزول الشعب للشوارع لفهم الواقع السياسي الذي فرضه الانقلاب المفاجئ، وذلك عندما لم تقطع الحكومة التركية الأنترنت عن الشعب الذي ملئ الطرقات بأمرٍ عبر اتصال هاتفي، وبالمقابل قامت وسائل الإعلام بتغذية عملية صنع القرار بتيار مستمر من المعلومات، تمثلُ المدخلات الأساسية عما يجري في شوارع العاصمة التركية وإسطنبول، وذلك عن طريق توجيه الاهتمام بشكل انتقائي عما يجري وهي بذلك تشير وترشح وتبني مدخلات عملية صنع القرار، وهنا تجدر الإشارة إلى دور وسائل الاتصال الجماهيري في بناء أجندة المجتمع، أي أولويات الاهتمامات السائدة لدى أفراد المجتمع، وكذلك أجندة صانعي القرار أي أولويات اهتمامات صانعي القرار، وكذلك في خلق دينامية صنع القرار إذ توفر وسائل الاتصال المعلومات القابلة للاستخدام داخل عناصر وأطراف صنع القرار، وهي تسمح بذلك بإحكام دائرة المعلومات داخل خلية الأزمة، كما أنّها تُيَسر مهام صانعي القرار الخاصة بجمع المعلومات.

ولقد أدت وسائل الإعلام التركية (ترك برس أنموذجًا) عدة وظائف، ولعل من أهمها الوظيفة السياسية وتمثلت بإعلام المواطنين بأمر الخروج لمواجهة الانقلاب من قبل الشعب وبما تفعله الحكومة والقوى السياسية، بحيث أصبحت تلك الوسائل جزءًا من العملية السياسية.

وبناءً على ما سبق فإنّ إدارة الأزمة السياسية إعلاميًا تتطلب فهمًا دقيقًا لتحديد الخطوات، ودراسة ردود الأفعال والنتائج التي تترتب على اتخاذ قرار ما، كما أنّ الحفاظ على المصالح الوطنية يتطلب عدم دراستها من منظور أحادي بل ينبغي أن يكون لكل مؤسسة إعلامية خلية أزمة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بهيئة أركان إعلامية تتبع لهيئة الأركان العامة التي تدير الأزمة.

وفي أزمة الانقلاب هذه لم تعد وسائل الإعلام ناقلة لسير الأزمة، بل متحكمة في مساراتها ومشارِكة في صنعها، لقد استطاعت وسائل الإعلام عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات أنْ تلعب دورًا مؤثرًا على صناع القرار، أدى إلى إنهاء الانقلاب وتم استسلام الجيش المنقلب أمام عدسات كاميرا الجوالات مما يدل على أهمية الإعلام في الأزمات السياسية والتحكم في مساراتها فالإعلام جزء من المعادلة السياسية الصعبة.

عن الكاتب

عبد الله لبابيدي

باحث في الإعلام الإسلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس