إبراهيم قهوجي – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس

في الجهة الجنوبية من بلادنا انطلق الربيع العربي في تونس باسم الديمقراطية ومن أجل حياة حرة كريمة، توسع هذا الربيع لينتشر في ليبيا ومصر، واستمر في الانتشار حتى وصل سوريا وضرب حدودنا الجنوبية. في المقابل وفي الجهة الشمالية من البلاد انطلقت الثورات الملونة التي كانت أيضا من أجل الديمقراطية والحياة الكريمة، فقامت الثورة البرتقالية في أوكرانيا والثورة الوردية في جورجيا. وكما لاحظنا فقد انتهت كلا الموجتين عند تركيا، فهل حقا انتهى كذلك؟ لو نظرنا إلى الثورات العربية لرأينا أن حقيقة هذه الموجات الثورية كانت من أجل تحقيق مصالح مختلفة لأطراف كثيرة؛ وكان ذلك عن طريق تحريك شبكاتها المختلفة المنتشرة في كل مكان كما نرى الآن في مصر وليبيا، وما كان الربيع العربي إلا غطاء لما سيلحقه من انقلابات عليه.

كرد واستمرار للثورات الملونة تحرك الشارع التركي في أحداث غيزي بارك وسقط على إثر ذلك الكثير من الأبرياء، في تلك اللحظات العصيبة وكما هي عادته تحرك الإعلام الغربي وأشاع أخبارًا ودعاية لا تمت للواقع بأي صلة. فشلت الثورة الملونة في تركيا كما فشلت من قبل في مصر، لتتحول الأنظار على إثر ذلك إلى خيار الانقلاب كما في السيناريو المصري، وكما كان هناك خونة وأعوان للسيسي في مصر كانت تركيا كذلك مبتلاة بهؤلاء الخونة، فانطلق الانقلاب مساء الخامس عشر من تموز/ يوليو، لكن حصلت المفاجأة وحدث عكس ما في الحسبان، خرج الشعب التركي وضرب بيد من حديد على يد كل الانقلابيين وأفشل ما عملت أيديهم الآثمة.

نعم لقد أفشل الشعب ومؤسساته الحكومية الحرة الثورة الملونة القادمة من الشمال والانقلاب الدموي القادم من الجنوب. غيرت الكثير من الأحوال والظروف ولكن نفاق الغرب لم يتبدل ولم يبرح مكانه، فالغرب وبوسائل إعلامه المختلفة لم يشجب الانقلاب ولم يترحم على شهدائه، بل كما في قناة وصفحة بي بي سي التركية ما زالوا يدافعون عن الانقلابيين ويبررون انقلابهم!

لماذا برأيكم تكلمت في كل تلك التحليلات؟ لأننا نعيش الآن موجةً وهجومًا آخر، وفي صفحات هذه المواجهة الجديدة نجد أن الحليف الروسي هو صاحب الدور المهم، ولمَ ذلك؟ تنبع هذه الأهمية للدور الروسي في المواجهة الجديدة من خبرة موسكو وبوتين في مواجهة الثورات الملونة التي كانت تخوضها روسيا ضد أوروبا وأمريكا. لكن في طرف المعادلة الأخرى نجد توافقًا كبيرًا بين روسيا وأوروبا وأمريكا فيما يخص الأزمة السورية، فهل سيقلب ذلك ويغير المواجهة السياسية؟ في حرب القرم بين الإمبراطورية العثمانية وروسيا كان العثمانيون متحالفين مع أوروبا وأمريكا ضد روسيا، لكن وفي المواجهة الجديدة ستكون روسيا وتركيا في صف واحد ضد الغرب.

تركيا اليوم كما هو واضح للعيان باتت تسير على حصان آخر جديد غير القديم، فبعد أزمة الطائرة الروسية وما يعتريها من ملابسات تشير إلى أنها كانت أزمة مفتعلة تريد كل من أمريكا أوروبا استخدامها للإطاحة بتركيا كما استخدمت من قبل أحداث حديقة غيزي بارك وتحركات الشارع الكردي والشارع العلوي. ما تلك الحملة والحملات إلا مواجهة جديدة ستقودنا إلى طريق جديد ما زال الشرق والغرب يخسر فيه، ومع استمرار كل طرف بطريقته ومذهبه وصلنا إلى نهاية طريق يخسر فيه الكل.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس