محمود علوش - خاص ترك برس
في أول أيام عيد الفطر المبارك، أعلن النظام السوري على نحو مفاجئ عن هدنة في عموم البلاد لمدة 72 ساعة. وبعد سريان الهدنة المزعومة ببضع ساعات إن لم يكن دقائق، شنّ جيشه مع الميليشيات المتحالفة معه هجومًا على بلدة ميدعا التي تقع في ريف العاصمة دمشق في محاولة لانتزاعها من فصائل المعارضة. وبعد أقل من 24 ساعة من هذا الإعلان، بدأ جيش النظام والميليشيات التي تتشكل من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني وفرعه اللبناني حزب الله، هجومًا واسعًَا على مناطق محيطة بطريق الكاستيلو، آخر طرق إمدادات المعارضة إلى الأحياء التي تسيطر عليها في مدينة حلب وأحكم الحصار عليها، وهو أمر سيتسبب بكارثة إنسانية كبيرة تهدد سكان المدينة.
الهجوم الجديد على حلب لا يشكل مفاجئة بطبيعة الحال، فهي ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها النظام وحلفاؤه حصار المدينة، وسبق أن جرّبوا ذلك في أبريل/ نيسان الماضي وفشلوا بسبب صمود المعارضة، لكنّه يأتي هذه المرّة بعد الإعلان المزعوم عن الهدنة، وفي ضوء معطيات سياسية برزت خلال الأونة الأخيرة، لا سيما التصريح الغامض للسفير الروسي في دمشق ألكسندر كيشناك، والذي استبعد فيه شن هجوم على حلب والرقة في القريب العاجل، على العكس تماماً من خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله مؤخرًا، والذي قرع فيه طبول الحرب على حلب، واصفًا إياها بأم المعارك.
الرسائل التي يرسلها نظام الأسد وطهران وموسكو تبدو متناقضة من ناحية الشكل، لكنّها منسّقة وأقرب إلى لعبة تبادل الأدوار بينهم، ولا تعكس على الإطلاق خلافًا بين أطراف المحور الواحد، وبالتحديد بين النظام وإيران من جهة وبين روسيا من جهة ثانية كما ذهبت بعض التحليلات منذ الإعلان المخادع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/ آذار الماضي عن سحب القوات الروسية المتواجدة في سورية والإبقاء على وجود جوي لمراقبة وقف إطلاق النار الذي تم التوصّل إليه بين موسكو وواشنطن، إذ تشير المعطيات بعد الإعلان الروسي المفخخ إلى أن موسكو أعادت نشر المدفعية الثقيلة في مناطق قرب مدينة حلب واحتفظت بشكل كبير بقدراتها العسكرية في هذا البلد.
من المهم لفت الانتباه إلى أن التصعيد الجديد في حلب يأتي بالتزامن مع المساعي التي يقودها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لإعادة استئناف محادثات السلام في جنيف ، وهو تصعيد يتكرر في كل فترة تسبق انعقاد جولة جديدة من المحادثات، ويرمي إلى تحقيق هدفين أساسيين، الأول إنجاز مكاسب ميدانية إضافية من جانب النظام وحلفائه من أجل توظيفها على طاولة المفاوضات، والثاني، وهو الأهم، إفشال أي مسعى جدي لإطلاق عملية سياسية حقيقة، على اعتبار أن المقومات الفعلية لنجاح هذه العملية، وبإقرار الجميع بمن فيهم الروس والإيرانيون، تكمن في جوهرها برحيل الأسد عن السلطة سواء في بداية أي عملية انتقالية أو في نهايتها.
السيناريو نفسه يتكرر اليوم وبنفس الوسائل، فالجولة الأخيرة من المحادثات غير المباشرة بين الأطراف السورية في جنيف، ما كانت لتنهار في نهاية أبريل الماضي لولا التصعيد العسكري الكبير للنظام وبدعم روسيا في شمال البلاد، والذي أدّى حينها الهدف المرجو منه بالدرجة الأولى، وهو إجبار وفد الهيئة العليا للمفاوضات على تعليق مشاركته في المحادثات وإظهاره على أنّه هو من يرفض الحل السياسي. وكان مستغربًا وقتها أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى ممارسة الضغوط على المعارضة والتلويح بوقف الدعم العسكري الشحيح عن فصائلها العسكرية في حال أصرّت على مقاطعة المحادثات بدلاً من ممارسة هذا الدور على الروس لوقف التصعيد وإنقاذ المحادثات.
من الغرابة أن ينخدع الأمريكيون والعالم مجددًا بالنوايا الروسية المضللة، فواشنطن اليوم تسعى إلى تفاهم جديد مع موسكو يهدف إلى قيام تنسيق استخباراتي بينهما في سورية وتقول إن خطّتها لن تعتمد فقط على الثقة، ما يعني أن استراتيجية الإدارة الأمريكية الفاشلة في إدارة الملف السوري خلال السنوات الخمس الماضية كانت قائمة على "الثقة" وهي بدعة جديدة في العلاقات الدولية. أما الأمم المتحدة التي تطالب بأن يكون لها الإشراف على الممرات الآمنة المزعومة التي أعلن عنها الروس لسكان الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة في حلب، فهي تعطي الضوء الأخضر للنظام وحلفائه من أجل السيطرة على شرق حلب. مع العلم أن الخطة الروسية وإن بدت في الشكل تهدف إلى حماية المدنيين، لكنّها تهدف إلى ما هو أخطر من ذلك، وتفريغ تلك الأحياء من سكانها تمهيدًا للانقضاض عليها.
قد ينجح الأسد في فرض أمر واقع جديد على خصومه من خلال حصار مدينة حلب، في ظل التواطئ الدولي وبالأخص الأمريكي ضد المعارضة السورية. وهذا النجاح، سيوظفه الروس والإيرانيون من دون شكّ في جولة المحادثات المقبلة في جنيف فيما لو قُدّر لها أن تعقد من جديد، عبر فرض المزيد من الضغوط على المعارضة ودفعها إلى التخلي عن مطلب الانتقال السياسي. والتصعيد الحالي في حلب ليس إلاّ نقطة في بحر الخداع الذي أتقنه النظام السوري وروسيا منذ اليوم الأول للحرب، فيما إيران تبدوا أكثر صراحة في خيار الحسم العسكري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس