مطيع البطين - خاص ترك برس
الحديث عن موقف العرب تحديدًا من الانقلاب الفاشل في تركيا أمرٌّ مهمٌّ جدًّا لِما لَهُ من بُعدٍ تاريخيِّ وأثرٍ على العلاقة بين الأتراك والعرب مستقبلًا.
لا يزال العرب والأتراك يحتفظون بشي من ذاكرة التاريخ القريب الذي يُحدِّثنا أنَّ العرب وقفوا مع الإنكليز في حربهم ضدّ الدولة العثمانية ، لكنَّ هذا الحديث حديثٌ ذو شجون ، فالذين قاتلوا الدولة العثمانية من العرب لم يخونو العثمانيين فقط، بل خانوا العرب والترك وكلَّ أبناء الأمَّة.
وهؤلاء - لا شك - لا يمثِّلون العروبة ولا الإسلام. بل هم على نقيض مع التوجه العام لسائر أبناء العروبة وأبناء الإسلام.
إنَّ أخلاق العروبة تأبى الغدر والخيانة ونقض العهود، ولقد جاء الإسلام فأتم هذه الأخلاق وزادها رفعةً وسموًّا ، لكن حتى في زمن النبي ﷺ: كان هنالك الأعراب الذين هم أهل نفاق وغدرٍ ونكثٍ بالعهود، هؤلاء الأعراب الذين آذوا رسول الله ﷺ وقتلوا الكثير من أصحابه "رضي الله عنهم" ليسوا من العروبة وأخلاقها في شيء وإن انتسبوا إليها اسمًا، فهم يناقضونها خُلُقًا وقيمًا.
المواقف تتكرر ذاتها اليوم والتاريخ يُعيد نفسه، والقسمة ثنائية اليوم أيضًا، فهنالك الشريحة الواسعة الكبيرة التي وقفت مع تركيا الحضارة والتاريخ المشترك، تلك هي شريحة العرب الذين ينتمون إلى أخلاق العروبة والإسلام الحق، وهنالك الشريحة المبتوتة الدخيلة التي تنتمي إلى أعداء الأمة وتكرر سيرة ابن العلقمي وأبي رغال، تلك هي شريحة الأعراب التي أبت إلا أن تكون رخيصة مفضوحة في المواقف التاريخية المفصليّة كالتي نشهدها اليوم وخصوصًا في الحالة التركية.
أولًا: شريحة العرب الواسعة هي التي رأيناها مترجمةً قولًا وعملًا في مختلف الميادين والساحات اليوم.
تمثلت هذه الشريحة في أبناء الأمة المخلصين الذين لم يبيتوا ليلة الانقلاب الفاشل، بل سهروا يتابعون كُلَّ خبر، ويدعون الله بكل حرقة وصدق أن يحفظ الله تركيا ورئيسها الطيب أردوغان وحكومتها الشرعية.
رأينا هذه الشريحة في موقف علماء المسلمين الذين تداعوا من كل بلاد العرب ليقولوا: نحن معك يا تركيا يا تاريخنا وعمقنا وهويتنا وانتماءنا.
تداعوا من سورية ومصر وفلسطين والعراق واليمن والمغرب وقطر وكلَّ بلاد العرب، وكتبوا وأعلنوا موقفهم بيّنًا واضحًا ضد الانقلاب.
وترجمت هذه الشريحة موقفها حقيقةً عندما نزل العرب المقيمون في إسطنبول وغيرها من المدن التركية يرفعون علم تركيا عالياً، ويبذلون دمائهم مع إخوتهم الأتراك برهانًا صادقًا على عمق الأُخوَّة وصدق الانتماء.
أما في ميدان الكتابة والإعلام فلقد أثبت الكُتَّاب العرب الأصلاء أنهم الشريحة الأوسع والأكثر انتشارًا والأعظم تأثيرًا، أولئك الذين جرَّدوا أقلامهم منذ اللحظات الأولى دفاعًا ونصرةً لإخوتهم الأتراك، فعلوا ذلك على صفحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الصحف والمجلات و…
هذا الميدان الذي أثبت مجريات الأحداث أنه من أهم الميادين وأخطرها، أثبت الكُتَّاب العرب أنَّهم فرسان أبطال صادقون ينافحون بكل براعةٍ وصدق وبيان عن تركيا الحضارة والتاريخ والإنسان، جعلوا من محطّات التلفزة منابر ينافحون من خلالها عن تركيا ويوصلون إلى العرب والأتراك والعالم رسائل التثبيت والصمود والانحياز إلى الشرعية والعدالة القائمة في تركيا اليوم.
إن الحديث عن هذه الشريحة الواسعة "شريحة العرب" لا شك أنه الحديث الذي يُعبًّر عن حقيقة موقف العرب من إخوتهم الأتراك عبر التاريخ القديم والحديث.
ثانيًا: الشريحة الأخرى التي تُثبت في كلِّ وقت أنها شريحة دخيلةٌ على الأمة غريبةٌ عن أخلاقها ومبادئها تنتمي إلى الأعراب المذمومين بالكتاب والسُّنة والسِير والتاريخ، تلك الشريحة التي لم تبلغ أن تكون حتى بمستوى أخلاق أبي جهل وأبي لهب، فهؤلاء كان لديهم من الخُلق ما يدفعهم إلى الخشية من أن تعيِّرهم العرب أو تذمهم بمساوئ الأخلاق وهابطها، هذه الشريحة لم تبلغ حتى أخلاق الجاهلية الأولى؛ ولذلك فهي شريحة تشبه الجرب الذي يفِّر منه الأصحاء، يفِّر منها ويتبرّأ كل أصيل وكل حرِّ وكل شريف.
تتمثل هذه الشريحة بقناة ساقطة تحمل اسم العرب لكنَّها لا تمتُ إلى العروبة بشيء، وتصفّق لِكُلِ مشروعٍ يعادي العروبة والأتراك والإسلام تَبثُ سُمًّا وكذبًا، فقدت مصداقيتها، وسقطت كما سقط الانقلاب الفاشل في تركيا.
وتتجسد هذه الشريحة بدكتاتورين مجرمين خانوا شعوبهم وأمتهم ودينهم أمثال السيسي الذي استباح مصر ودماء أبنائها، وأمثال بشار الأسد الذي قتل من أبناء سورية أكثر من ستمائة الف بمختلف وسائل القتل المحرمة حتى في الحروب بين الدول، فكيف لا يقف هؤلاء المجرمون ضد تركيا التي وقفت مع المظلومين في كل البلاد...!؟
نرى هذه الشريحة الخبيثة فيمن يسمي نفسه داعيةً، وقد شدِّ إليه الملايين زماناً يُمثِّل عليهم ويخدعهم، ثمَّ جاءت الوقائع في مصر وسورية وتركيا لتُثبت أنه كاذبٌ مهرِّج ممثل ليس له مبدأ وليس له وفاء ولا صدق انتماء...
وبما أنَّ الكاذب والمخادع يظنُ أنَّ الآخرين مثله فقد قال هذا الذي يُسمي نفسه داعية بأن ما حصل في تركيا كان مسرحية من أجل إحكام قبضة الرئيس والحكومة على البلاد.
لله درُ هذا الانقلاب الفاشل الساقط الذي سقط معه وفشل من كان يسمي نفسه داعية أو عالمًا أو مفكرًا ثم جاء هذا الانقلاب ليثبت أنَّ هؤلاء خونة مأجورون مرتزقة.
إنَّ محمد دحلان الذي خان فلسطين وقضية فلسطين وحرض عليها لا يمكن إلا أن يكون محرِّضًا للغرب على تركيا وحضارتها، فمن كان عدوًا لبلده فلسطين هل يعقل أن يكون وفيًا لتركيا...؟!
إنه لا يمكن إلا أن يكون وفيًا للخِسّة والنذالة والغدر تماماً كما هي أخلاق الأعراب لا أخلاق العرب الأصلاء.
يقول أحد المفكرين العرب. معلّقًا على موقف العرب والأتراك من الانقلاب الفاشل: "انقسم الأتراك إلى قسمين واحد مع الديمقراطية والآخر ضد الديمقراطية، وانقسم العرب إلى قسمين واحد مع أردوغان والآخر ضد أردوغان". يقول هذا الكلام مبيّنًا الموقف الخاطئ لطريقة العرب في التعامل والتعاطي مع مسألة الانقلاب. الحقيقة أن هذا التّوصيف غير صحيح وخصوصًا فيما يتعلّق بموقف العرب، فالعرب انقسموا قسمين نعم، ولكن قسمٌ مع ما يحمله أردوغان من قيم ومبادئ وتوجه وانتماء وبعد حضاري، وقسم ضد هذا التوجه والانتماء وهذه القيم والمبادئ، هذه هي القسمة حقيقة ولا حاجة للتلاعب بالكلمات والتعابير من أجل خداع القارئ وحرف فكره ونظره عن التقييم الصحيح للمشهد.
هذه هي القسمة، وهذه هي الحقيقة، فإمَّا عربٌ كرام أصلاء، وإما أعراب غادرون دخلاء.
يا إخوتنا في تركيا وفي العالم الإسلامي كله: "كونوا دومًا على ثقة ويقين أنَّ إخوتكم العرب هم منكم ومعكم على مَّر السنين والأعوام، عزّهم عِزّكم ونصرهم نصركم.
إخوتكم العرب يعتزّون بألب أرسلان كما يعتزون بخالد بن الوليد "رضي الله عنه" وبفاتح القسطنطينية "محمد الفاتح" كما يعتزّون بسعد بن أبي وقاص "رضي الله عنه" وبسليمان القانوني كما يعتزّون بهارون الرشيد أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا.
إنه التاريخ الذي كُتِبَ بالدم، وإنها الحضارة التي بنيناها معًا فكرًا وعلمًا وأخلاقًا راقيةً عظيمة.
إنه الدين الذي وحَّدنا وصهرنا في بوتقته العظيمة فجعلنا جميعًا نردد قول الشاعر:
إن يختلف نسبٌ يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
أو يفترق ماء الوصال فماؤنا عذبٌ تحدَّر من غمامٍ واحدٍ
وختامًا وَمِمَّا لا بُدَّ من قوله في مثل هذا المقام إنَّ الأصابع التي فتت العراق وقسَّمته وأضعفته وحوَّلته إلى ساحة للصراع الدامي بين أبنائه هي الأصابع ذاتها التي تريد أن تعيد السيناريو ذاته في تركيا التي تمثل اليوم أملًا لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، هذه الأصابع تريد أن تُضعف اقتصاد تركيا وأن تتراجع صناعتها وأن تُهوي نهضتها وأن يقتتل أبناؤها وتدَّمر حضارتها.
هي الاصابع ذاتها التي تقتل أهل الشام وتدّمر حضارتهم وتغير ديموغرافيتهم، وهي ذاتها التي تفعل مثل ذلك في اليمن وليبيا وكل بلاد العرب والإسلام.
لذلك فإن دفاعنا عن تركيا ووقوفنا معها هو وقوف مع أمتنا الواحدة التي يستهدفها أعداؤها الذين لا يريدون خيراً لأي بلد منها بل يضمرون الشر للجميع ، لذلك فيا أيها العرب الأصلاء: انتبهوا وكونوا مع إخوتكم الأتراك لئلا تقولوا يومًا - لا قدّر الله - أُكِلت يومَ أُكِلَ الثور الأبيض...
حمى الله تركيا ووقاها شرَّ الكائدين وأدامها عزيزةً ناهضة متقدمةً سامية، شامخةً كما كانت قرونًا طوالًا تملأ الدنيا عدلًا وعطاءً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس