مصطفى كرالي أوغلو - صحيفة قرار - ترجمة و تحرير ترك برس
نتناقش منذ سنوات طويلة حول منظمة غولن، كما سنتحدث لفترة قادمة حول الإرهاب الذي تمارسه هذه المنظمة بعد اتضاح ذلك خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، لكن علينا أيضا أنْ نقول بأنّ منظمة غولن ليست مجرّد منظمة إرهابية، وإنما منظمة فكرية.
لذلك علينا أنْ نفهم كيف استطاعت هذه المنظمة السيطرة على عدد كبير من الناس، وكيف سيطرت فكريا على أناس متعلمين ومثقفين، وخرجوا من تراب هذه الأرض، وكيف استطاعت جلب شباب آمنوا بها إيمانا أعمى، دون أنْ يسألوا أو ينتقدوا، وآمنوا بأنّ غولن صاحب مكانة أعلى منهم. وكيف استطاعت المنظمة سرقة حياة عشرات الآلاف وجعلها رهينة لهم؟
هناك مصدر أكثر من رائع يبحث في إجابات هذه الأسئلة، وهو بحث بحجم كتاب، كتبه البروفيسور مصطفى أوزتورك، المحاضر في كلية الشريعة، والكاتب في صحيفة قرار، وقد كان بحثه علميا، يكشف كيف استغلت المنظمة الدين بصورة سلبية، ولذلك أنصح بشدة بقراءة بحثه، وهنا سأقتبس لكم منه ما يُمكن تسميته تلخيص الملخص:
"لا تشبه جماعة غولن، الجماعات الدينية الأخرى الموجودة في تركيا، سواء على صعيد خصائصها الشكلية، أو أسلوبها العملي، ولكن التشبيه الأدق لها، يكمن في تشبيهها بتشكيلات حسن الصبّاح، والإسماعيليين، واليسوعيين، وجماعة "أوبوس داي" ومن على شاكلتهم. وعلينا الحديث أيضا عما تعتبره عن نفسها بأنها معصومة من الخطأ، وهذه الصفة تحديدا تُنسب لفتح الله غولن، فكما يعتبر أهل السنة الأنبياء بأنهم معصومون، والشيعة يعتبرون الأئمة لديهم معصومين، فإنّ جماعة الخدمة يعتبرون غولن معصوما من الخطأ.
تحرص الجماعة دوما على استقلاليتها وبقاء نفسها بعيدة عن غيرها من الجماعات الأخرى، وتعتبر مصلحتها وسلامتها أهم من كل شيء، وتؤمن بأنّ بإمكانها تجاوز كل المبادئ الإسلامية في حال تعارضها مع مصالحها ومنافعها، فتحقيق المصلحة يبيح كل المحظورات بالنسبة لهم.
لا يستطيع منتسبو الجماعة انتقاد كلام وافعال غولن فحسب، وإنما أنْ يضعوا غولن موضع شك او استفهام، فإنه يعتبر بالنسبة لعقيدتهم قد ارتكب كبيرة من الكبائر.
مع أنّ كلمات الدين، الإيمان، الله، الكتاب، لا تغيب عن لسان غولن، إلا أنّها مجرد تجميل لهدفه الحقيقي، وهو بناء دولة داخل دولة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يستخدم الدين، الذي يُعتبر بالنسبة له مثل "الأفيون" المخدّر، يسيطر من خلاله على اتباعه، ويقودهم إلى حيث يريد.
أما تصرفهم في المجالات والمراكز التي وصلوا إليها بطريقة احتلالية، وأنهم يرون أنفسهم أصحاب الحق المطلق، ومَن لا ينتمي إليهم فهو يسير في طريق الباطل، سببه هو أنهم يعتبرون أنفسهم "مُختارين"، وأنهم يمثلون الحق المطلق على هذه الأرض، وبأنهم المخلّصين للإنسانية.
وإعطاء غولن مثل هذه الرسائل وتوجيهها للقواعد التابعة له، يمنحهم ثقة كبيرة، ومصدر هذه الثقة ينبع من إيمانهم بأنهم "مُختارين"، وهذا الوهم يشبه كلام اليهود الذين كانوا في المدينة "نحن أبناء الله وأحباؤه".
وفي إحدى خطابات غولن، والذي جاء تحت عنوان "تكرر التاريخ" قال: "مَن حمل هذه المسؤولية وآمن بهذه الرؤية، حصل على شرف كبير، فهؤلاء تُلقي الطرق التي يسيرون عليها السلام لهم، ويتجاوزون كل المعيقات التي تقف أمامهم مهما كانت مستحيلة، وهذا يتقدّسون". وتستطيعون فهم كيف ينظر منتسبو المنظمة إلى أنفسهم بأنهم أصحاب مَهمة علوية ومُختارين من قبل الله، وبأنهم مقدّسون، ولا يستطيع أحد الوقوف أمامهم، ومَن يقف أمامهم سيركع لهم.
كما يقوم غولن بإثبات شرعية ما يقوم به من خلال الكلام عن مناماته التي يرى فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه يتناقش معه حول الأنشطة التي يقوم بها، وهذا أسلوب حديث من الإسرائيليات، فالإسرائيليات تعني الخرافات، والأساطير. كما أنّ جماعة غولن تحمل صفات مسيانية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس