متين غورجان - موقع المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
الآن وبعد انتزاع السيطرة على الحدود بين تركيا وسوريا بين مدينتي الراعي وجرابلس من تنظيم داعش، ماذا سيكون هدف أنقرة القادم؟ داعش في مدينة الباب أم وحدات حماية الشعب الكردي في منبج؟
في الرابع من أيلول/ سبتمبر وبعد 12 يوما من عملية درع الفرات دخل مقاتلو الجيش السوري الحر مدعمين بقوة مدرعة تركية مدينة الراعي واستولت على 98 كيلومترا على امتداد الحدود. منذ عام 2014 كانت هذه المنطقة طريق الإمداد الرئيس لداعش بالأفراد والمال والسلاح والدعم اللوجيستي، والرابط الرئيس لداعش بالعالم الخارجي. والسؤال المطروح في الوقت الراهن هو ماذا بعد.
لدى أنقرة ثلاثة مسارات للعمل:
* أن تضمن المكاسب التي تحققت في شمال سوريا حتى الآن، وبدلا من توسيع منطقة العمليات تقوم بتحصين امتداد الحدود بين الراعي وجرابلس، واتخاذ خطوات لمنع عودة داعش إلى المنطقة. لكن مصادر في أنقرة تعتقد عموما أن أمن الحدود الحقيقي سيتطلب أن يتحرك الجيش السوري الحر بين 25-30 كم على الأقل إلى الجنوب.
** توسيع العملية نحو مدينة الباب حيث تتحصن داعش. وهذا الاختيار يعني أن أنقرة تعطي الأولوية لهزيمة داعش في شمال سوريا.
*** التقدم 40 كيلومترا إلى الجنوب من جرابلس نحو مدينة منبج التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب. ومن الواضح أن هذا الخيار يشير إلى أن أنقرة تعطي الأولوية لمكافحة وحدات حماية الشعب.
الاستيلاء على الامتداد الحدودي الذي كانت تسيطر عليه داعش من قبل يخدم جميع الأطراف ما عدا داعش، ويخدم بالتأكيد الولايات المتحدة وروسيا. يتفق الجميع على ضرورة تخليص المنطقة من داعش. إلا أننا وصلنا أيضا إلى منعطف حاسم في عملية درع الفرات، حيث توشك المصالح المشتركة أن تتحول إلى مصالح متضاربة.
الانطباع الذي تكون لدى "المونيتور" من مصادر في أنقرة هو أن تطهير الحدود من داعش لن يكون كافيا، وأن ثمة حاجة إلى مزيد من التحركات في اتجاه الجنوب. إن تنامي الوجود العسكري التركي قرب الحدود يعزز هذه الوُجهة من التفكير. وكما أكدت في مقالي في المونيتور في 25 أغسطس/ آب فإن هدف أنقرة الاستراتيجي الرئيس من عملية درع الفرات هو منع وحدات حماية الشعب الكردي المرتبطة بحزب العمال الكردستاني من السيطرة على شمال سوريا، وتولي السيطرة الكاملة على الحدود بين تركيا وسوريا. ولهذا تريد أنقرة الاستفادة من نجاحها الميداني حتى الآن وتوسيع العملية نحو منبج.
في المحيط العملياتي في سوريا، حيث تتغير الأوضاع الميدانية كل ساعة أحيانا، من الأهمية بمكان الحفاظ على وتيرة العمل، والاستفادة من المكاسب. وهذا هو السبب في أن أنقرة تريد التحرك بسرعة في اتجاه منبج. ولنتذكر أن أنقرة تقول باستمرار إنه من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، فإن العملية يجب أن تستهدف جميع التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا.
إن تغير موقف أنقرة الجذري من الأسد من "يجب أن يرحل" إلى "ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية" لا بد أنه أسعد كثيرا بشار الأسد وروسيا اللذين تجنبا أي رد فعل سلبي يمكن أن يغير الوضع على الأرض. وعلى الرغم من أن واشنطن لا تزال في حيرة حول مستقبل سوريا، فإنها وجدت في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية فكرة إيجابية. صارت وحدات حماية الشعب الكردي معزولة سياسيا. وباختصار لا توجد مجموعة أخرى لها مصالح في سوريا لا تزال تدعم فكرة أن يربط حزب الاتحاد الديمقراطي بين منطقة عفرين في الغرب وكوباني والجزيرة في الشرق لكي تشكل في الواقع دويلة قد تهدد وحدة الأراضي السورية.
نقلت وسائل الإعلام التركية تفاصيل مهمة من اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة العشرين التي عقدت في الخامس والسادس من أيلول في مدينة هانجو الصينية. ووفقا لتغطية الإعلام للاجتماع، عندما قال أوباما "يجب أن ينسحب حزب الاتحاد الديمقراطي من مدينة منبج، وأن تبقى العناصر العربية في جيش سوريا الديمقراطي فقط" رد عليه أردوغان "ما إن ينسحب الاتحاد الديمقراطي، فإن هذا يعني أن وحدات الجيش السوري الحر ستدخل منبج دون قتال".
من هذا كله يمكن فك شفرة مخطط أنقرة: منع وحدات حماية الشعب من الاستيلاء على مدينة الباب من داعش بأي ثمن، وإقناع واشنطن بطريقة ما بوضع منبج تحت سيطرة الجيش السوري الحر.
قال العقيد المتقاعد علي بلجين فارليك من معهد أنقرة الاستراتيجي للمونيتور "هذا هو بالضبط ما يجري على مائدة المفاوضات. في أجواء تستمر فيها الاشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، ويقتل ثلاثة أو أربعة جنود يوميا، فلا يمكن أن يتوقع الساسة في أنقرة أن يقبل الرأي العام التركي الموافقة على عملية للسيطرة على ممر بين كوباني في الشرق وعفرين في الغرب. الأولوية لدى الشعب التركي هي القضاء على ممر حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا."
في أفضل سيناريو لتركيا، فإنها ستنتقل من مدينة الراعي إلى دابق التي تمثل أهمية رمزية كبيرة لداعش، لمنع وحدات حماية الشعب من التقدم إلى الباب. وإذا نجحت أنقرة، فلن يكون لدى واشنطن أي خيار سوى أن ينتزع الجيش الحر مدينة الباب من داعش. عند هذه النقطة ستقول أنقرة لواشنطن: نعم سيمضي الجيش الحر إلى مدينة الباب، ولكن أعطونا منبج أولا.
تريد أنقرة باختصار جعل الجيش السوري الحر قوة لا غنى عنها للاستيلاء على الباب، ومن ثم مساومة واشنطن على الهجوم علي الباب في مقابل منبج. والسؤال الذي لا نسطيع الإجابة عليه بعد: هل تضحي واشنطن بمنبج في مقابل سيطرة الجيش الحر على الباب؟ التقى بريث مكورك مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي ضد داعش أخيرا مسؤولين في حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وهو ما يعد مؤشرا مهما على أن الولايات المتحدة تحافظ على تحالفها مع حزب الاتحاد الديمقراطي، ولن تتخلى عن وحدات حماية الشعب الكردي.
أما السيناريو الأسوأ بالنسبة لأنقرة فهو أن يشتبك الجيش السوري الحر مع داعش ووحدات حماية الشعب الكردي مع في مدينة الباب، ثم يشتبك بعدها مع وحدات حماية الشعب في منبج. وعلى ذلك سيضطر الجيش السوري الحر إلى خوض اشتباكات متزامنة على جبهتين. وإذا كان أداء الجيش السوري الحر على الأرض غير واف بالمراد، عندئذ من الممكن أن يتدخل الجيش التركي في هذه الاشتباكات. وإذا حدث في مثل هذه الحالة أن تركت واشنطن وموسكو تركيا بمفردها، فإن أنقرة ستضطر إلى الاختيار بين تقديم الدعم للجيش السوري الحر أو الانسحاب.
ولتجنب هذا السيناريو الكارثي تعطي أنقرة اهتماما بالغا للجهود الدبلوماسية. وتقول مصادر في أنقرة إن عدم انزلاق الاشتباكات بين الجيش السوري الحر ووحدات حماية الشعب إلى جنوب مدينة جرابلس حتى الآن يرجع إلى القناة الدبلوماسية بين وزارة الخارجية التركية، ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الأمريكي.
ولكن حتى متى تستطيع أنقرة الحفاظ على هذه الكثافة الدبلوماسية مع الجهات الأخرى ذات الصلة في سوريا؟ وفقا للعقيد فارليك فإن هذا يرتبط ارتباطا مباشرا بأداء الجيش السوري الحر في الميدان. ويعتقد فارليك أن الأسباب التي تقف وراء استمرار تعاون الولايات المتحدة مع حزب الاتحاد الديمقراطي ترجع إلى ضعف النجاحات التي حققها الجيش السوري الحر في ميدان القتال.
هل علاقة واشنطن بالاتحاد الديمقراطي على المدى القصير تستهدف هزيمة داعش فقط، أم أن للولايات المتحدة أجندة سرية لإقامة ممر كردي من الجزيرة إلى البحر المتوسط، مثلما وعدت الأكراد؟
هل توجه الواقعية السياسية العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي، أم أن الذي يوجه هذه العلاقة وعد الولايات المتحدة للأكراد بإقامة دويلة كردية مستقلة؟ بالنظر إلى الوتيرة السريعة للتطورات في شمال سوريا، سنحصل على إجابات كافية قريبا.
تريد تركيا منع الأكراد من إقامة كيان مستقل، والأهم من ذلك أنها تريد دورا رئيسا في تحديد مستقبل سوريا. ويحذر الخبير الاستراتيجي نهاد علي أوزجان في مقاله الأخير بصحيفة ملييت من أن تركيا ستضطر إلى نشر قوات بين 35 ألفا إلى أربعين ألفا (من ستة إلى ثمانية ألوية) في شمال سوريا على مدى السنوات العشر المقبلة لتحقيق هذه الأهداف، نظرا للمتطلبات السياسية والعسكرية، والطبيعة الجغرافية، وقدرة الجيش السوري الحر، ووجود تهديدات غير متماثلة مثل داعش ووحدات حماية الشعب الكردي.
هل تخطط أنقرة لهذا التدخل الاستراتيجي أم أننا سننسى عملية درع الفرات بعد شهر أو نحو ذلك؟
نظرا لتعقد الأوضاع في سوريا، ووجود قائمة طويلة من اللاعبين والمصالح المتضاربة، فإنني لست متأكدا من أحدا يعرف الجواب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس