متين غورجان - موقع المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
بدأت خطط تركيا لشراء نظام الدفاع الجوي الصاروخي بعيد المدى منذ 10 سنوات، لكن هذه الخطط يمكن أن تؤدي الآن إلى أزمة ثقة عميقة بين تركيا والمجموعة الأمنية الأمريكية الغربية.
وكان آخر مؤشر على ذلك تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جوزيف دانفورد، في 23 يوليو/ تموز خلال مؤتمر أسبن كولورادو الأمني الذي قال فيه: "إن تركيا لم تشتر نظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا بعد. ومن شأن ذلك أن يثير القلق، لكنهم لم يفعلوا ذلك".
لم تعلق روسيا على تصريح دانفورد، لكن تركيا ردت بشدة. وقال الرئيس، رجب طيب أردوغان إن الولايات المتحدة لم تساعد تركيا فى الحصول على نظام الدفاع الصاروخي الذي تحتاجه. ولهذا السبب كان على تركيا أن تبحث عن بدائل، ووقعت اتفاقا من حيث المبدأ مع روسيا.
وتحت عنوان "تركيا تفضل روسيا على الناتو لشراء نظام الدفاع الصاروخي" ذكرت وكالة بلومبرغ في 13 يوليو/ تموز أن الصفقة المقترحة لأربعة أنظمة من نوع S-400 ستكون بقيمة 2.5 مليار دولار.
وفى 28 يوليو قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إن تركيا تشعر بخيبة أمل عميقة من مواقف الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص حول صفقة الصواريخ الروسية. وقال إن الاتفاق مع روسيا أوشك على الانتهاء. وكشف للمرة الأولى أن روسيا وافقت على الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا.
ويتساءل الكثيرون عما إذا كان هذا التطور سيؤثر على عضوية تركيا في الناتو.
كانت مساعي تركيا للحصول على نظام دفاع صاروخي إشكاليا منذ البداية، فهدف أنقرة النهائي هو تصنيع نظامها الخاص. وقد حققت أنقرة بالفعل بعض التقدم فى نظام الدفاع الجوي متوسط المدى من نوع Hisar O الذي تنتجه شركة روكيتسان المملوكة للدولة. وتهدف تركيا إلى تطوير هذا النموذج وتصنيع منظومتها للدفاع الصاروخي بحلول عام 2025. وليس سرا أن روكيتسان تتعاون مع يوروسام الأوروبية في هذا المشروع. وفي الوقت نفسه،تعتزم تركيا تلبية احتياجاتها الأمنية العاجلة، نظرا للأزمة السورية وبرنامج إيران للصواريخ البالستية.
عندما طرحت تركيا مناقصة شراء منظومة دفاع صاروخي ، تلقت عروضا من شركة يوروسام الفرنسية الإيطالية لصاروخ Aster 30، وعرضا من شركة (CPMIEC) الصينية لشراء منظومة HQ-9 FD-2000 ، ومن شركة روس أبورون إكسبورت الروسية لمنظومة S-400؛ ومن شركة رايثيون الأمريكية لأنظمة باك-3. بدأت تركيا مفاوضات في عام 2013 لشراء منظومة HQ-9 الصينية بقيمة 3.4 مليار دولار، لكنها ألغت الخطة في يونيو 2015 لأن المنظومة الصينية تفتقر إلى مميزات مضاد للصواريخ الباليستية، كما أن الشركة الصينية لم ترغب في مناقشة نقل التكنولوجيا. ولا شك أن ضغوط الناتو لعبت دورا في قرار وقف المفاوضات مع الشركة الصينية. وفي الوقت نفسه، شعرت تركيا أنه بسبب تزايد خطر الصواريخ البالستية من سوريا، فإنها في حاجة ماسة إلى نظام دفاعي. حاول حلف الناتو ملء الفراغ من خلال نشر أنظمة باتريوت الأمريكية والألمانية والإيطالية والهولندية على الحدود التركية التركية من 2014 إلى 2016.
وبعد إعلان الرئيس أردوغان عن اختيار نظام S-400، أبدت وسائل الإعلام التركية اهتماما بالغا بهذه القضية. وفي غضون أربعة أيام فقط، نشرت وسائل الإعلام التركية 36 تقريرا إخباريا و 12 تعليقا على منظومة S-400. ووفقا لبعض وسائل الإعلام، أيد 80٪ من الأتراك شراء صواريخ S-400 دون تحفظات، وعبر 15٪ عن بعض التحفظ تجاه الصفقة، بينما عارضها 5٪ فقط. وتشير هذه الإحصاءات إلى تأثير أردوغان في وسائل الإعلام، فضلا عن تزايد المشاعر المعادية للغرب في تركيا.
وقال المحلل الأمني توران أوغوز لـ "المونيتور" إن "إس -400" ستوفر الدفاع ضد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى ذات نطاق 620 ميل. كما أن S-400 ستمكن تركيا من رصد الأنشطة الجوية بمدى يصل إلى 372 ميلا في الجوار التركي وقفل راداراتها على مسافة 250 ميلا تقريبا. وقال أوغوز إن هذه القدرة ستعزز الردع العسكري والسياسي والدبلوماسي فى المنطقة وتقلل من أى اجراء مفاجئ ضد تركيا. ويعتقد أوغوز أيضا أن هذه الأنظمة سوف تزيد من التفوق العسكري التركي في بحر إيجة زيادة كبيرة.
أما من علقوا بحذر هلى الحصول على S-400 فلديهم تحفظات تقنية وسياسية. ويرى دنيز زيريك من صحيفة حريت أن اختيار تركيا لـS-400 خطوة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تقوض استراتيجية "الدفاع الجماعي" التى وضعها الناتو فى ميثاقه، وأنها ستزيد الاعتماد على روسيا.
وقال محلل الشؤون الدفاعية، أردا مولود أوغلو لـ "المونيتور": "حتى تطور تركيا صناعة الدفاع الوطني، وهو أمر لن يكون سهلا، فسيتعين عليها شراء منظومة دفاع صاروخي بعيدة المدى من مصادر خارجية. ينبغي لمنظومات الدفاع الصاروخي الباليستية طويلة المدى وأنظمة الدفاع الجوي أن تعمل كشبكة متكاملة من العناصر المتشابكة لكي تكون فعالة ضد القذائف الانسيابية أو الصواريخ الباليستية، وهي أهداف يصعب تحديدها والقضاء عليها. وإلا فإن النظام سيقتصر استخدامه ضد الطائرات والمروحيات على ارتفاعات متوسطة وعالية.وعلى ذلك سيكون لاستخدام S-400 فقط فعالية محدودة. علينا أن نواصل بسرعة تطوير أنظمة الرادار والدفاع الجوي الوطنية. وأخشى أن يوقف شراء S-400 تلك المشاريع الحيوية".
أما الخبير هاكان كيليتش الذي يعارض شراء تركيا لنظام S-400، فلديه اعتراضان فنيان. الأول أنه لا يعتقد أن روسيا سوف تعطي تركيا تكنولوجيا الرادار المتقدمة والبرمجيات ونظم التوجيه، على الرغم من أن "تركيا ستدفع 5 مليارات دولار لشراء النظام من مجرد الإعلان عنه حتى من دون اختبار الفيديو". وأضاف كيليتش "أعتقد أن مثل هذا النظام المستقل يمكن استخدامه ضد الطائرات فقط، وهو مكلف للغاية".
ومما يثير الدهشة أيضا صمت روسيا التام بعد أن أصبحت صواريخ إس 400 أزمة كبيرة بين تركيا والغرب.
ويرى خبير العلوم السياسية في جامعة موسكو، كريم هاس، سببين لصمت موسكو: "أولا، تنتظر روسيا الوقت المناسب. ثانيا، أن الصفقة لم توقع نهائيا، ولا يريد الكرملين أن يبدو وكأنه يتناقض مع أردوغان من خلال قوله "لا، نحن لم نوقع على الصفقة نهائيا بعد "، لأنه يفضل أن يتسع الجدل داخل الناتو".
ويُرجع ميخائيل بارابانوف، وهو باحث بارز فى مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات في موسكو، صمت روسيا لأسباب داخلية ويقول: "بيع المنظومة لتركيا سيسبب ردود فعل متباينة في الرأي العام الروسي وبين الخبراء، نظرا لاندلاع المشاعر المعادية لتركيا بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسية في عام 2015، فضلا عن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي وموقف البلدين المتناقض تجاه الأزمة الأوكرانية".
وأضاف "يبدو أن الكرملين لا يريد إجراء نقاشات عامة محلية حول هذه القضية، ويحاول التوصل إلى اتفاق دون دعاية داخل البلاد".
ويعتقد هاس وبارابانوف أن صواريخ S-400 يمكن تسليمها إلى تركيا قبل عام 2020، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نهائي. ويؤكد هاس أن روسيا مسرورة بالجدل المستعر حول الصفقة. وقال "روسيا مسرورة لأن الجدل حول S-400 يمكن أن يؤدي إلى تصدع الناتو عدوها الجيوسياسي الأول.وسيكون الانفصال المحتمل في العلاقات بين الناتو وتركيا أكبر مكسب استراتيجي لموسكو في القرن الحادي والعشرين. وعلاوة على ذلك، بإظهار موسكو أنها قادرة على بيع مثل هذه الأنظمة لبلد عضو في الناتو ، فإنها تعزز مكانتها في سوق الأسلحة العالمية."
ويرى بارابانوف أن روسيا لن تنقل بالفعل تكنولوجيا أس -400 إلى تركيا. وقال: "حجم الطلب التركي صغير للغاية. ويحتاج استيراد التكنولوجيا إلى اتفاق طويل الأجل، وهو أمر ليس واضحا في الاتفاق الحالي، وهو ما يفهمه الجانب التركي جيدا".
ويلفت بارابانوف إلى أن اليونان العضو في حلف الناتو تستخدم نظام الدفاع الصاروخي أرض-جو طويل المدى (سام) S-300 منذ مدة بعيدة وقال "أعتقد أن مسألة عدم التوافق المزعوم بين أنظمة سام الروسية وأنظمة الناتو مسيسة وغير عملية".
وبصرف النظر عن التكهنات، فمن الواضح أن واشنطن تشعر بالقلق من جهود تركيا للحصول على منظومة S-400، وروسيا سعيدة بالجدل حول الصفقة لكنها صامتة، وأنقرة منفعلة وغاضبة من الناتو والولايات المتحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس