حازم عياد - السبيل الأردني
تركيا محط اهتمام كبير للقوى الإقليمية والدولية والأقدر على التأثير في موازين القوى؛ فوزير الخارجية الإيراني زار أنقرة للمرة الثالثة في أقل من شهرين، في حين أن المسؤولين السعوديين التقوا أردوغان ست مرات في أقل من عام.
الزيارات متشابهة في مضمونها؛ من ناحية دبلوماسية يقف على رأسها الحوار والتعاون المشترك في مجالات عدة، منها الطاقة والاستثمار والتجارة والنقل؛ إلى جانب الأزمة السورية وسبل الحل الممكنة.
لقاء أصدقاء أمريكا وحلفائها وخصومها في أنقرة، يعبر عن تحول مهم في النظام الإقليمي المستاء من الأداء الأمريكي والنزعة التصعيدية في الخطاب السياسي الداخلي؛ والسلوك المتناقض في الوقت ذاته.
فأمريكا «تلعب على كل الحبال» بطريقة باتت مكشوفة؛ فهي تتقارب مع طهران وفي الوقت ذاته تتصدى لها في العراق وسوريا؛ وتتقارب مع تركيا وتتصارع معها في الملف الكردي؛ وتتعاون مع السعودية وتؤذيها في الملفات كافة؛ ليأتي قانون جاستا بمنزلة الضربة الأخيرة الكاشفة، التي قصمت ظهر البعير، حالها كحال تركيا بعد الانقلاب الفاشل.
سياسة أمريكا المقلقة الممثلة بالبحث عن الاستقرار من خلال التغيير باتت مثيرة لقلق الحلفاء والأعداء؛ ما يعني أن إمكانية توافر الفرصة لمزيد من التعاون التركي السعودي الإيراني، باتت ممكنة متجاوزة بذلك العقبات والمعوقات السابقة حول العديد من الملفات ومنها المصري واليمين والسوري؛ في ظل التغول الروسي والأمريكي وتصاعد النزعات الانفصالية في المنطقة.
قدرة أنقرة باتت كبيرة سواء في بناء التحالفات أو من جهة تخليق حوارات إقليمية معمقة، يمكن أن تقود إلى إعادة هندسة المنظومة الإقليمية؛ والتخفيف من أعباء الصراعات المتفجرة واستعادة التوازن الإقليمي.
أنقرة باتت فاعلا ومؤثرا في الإقليم، خصوصا بعد تدخلها في سوريا وإنشائها قاعدة جوية عسكرية في الصومال، ليمتد تأثيرها إلى الملف اليمني المشتعل؛ الذي يحتاج إلى مزيد من الجهود والوساطات التي تطال الجار الإيراني، المنخرط في الصراعات كافة في المنطقة من العراق إلى سوريا؛ ما يجعل تعاون الرياض مع أنقرة مسألة غاية في الأهمية؛ لإيجاد توازن إقليمي، وفتح حوار استراتيجي يشمل طهران ذاتها مستقبلا.
فالحوار مع طهران على سبيل المثال لايتوقف عند حدود احتواء تداعيات الصراعات الاقليمية، بل يمتد نحو الأزمات الدولية المتفاقمة وعلى رأسها التنافس الروسي الأمريكي؛ الذي أدى دورا كبيرا في تأجيج الصراعات الإقليمية، وزيادة خطورتها سواء عبر التدخل الروسي أو عبر الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي مع دول 5+1؛ أو نتيجة أزمة انهيار أسعار النفط والطاقة، التي اشتركت كل من إيران وروسيا وأمريكا في تفاقمها؛ نتيجة التضارب الحاد في السياسات الطاقوية لهذه البلدان.
ولا يختلف الموقف المتدهور عند تناول السلوك الروسي التصعيدي تجاه المنطقة ودولها وشعوبها؛ فروسيا باتت جزءا من المعاناة التي يواجهها العرب والأتراك؛ ولا تبتعد طهران كثيرا عن هذا المشهد؛ فما تقوم به روسيا سيقود لمزيد من التدهور الإقليمي وخروج الأمور عن السيطرة لصالح صراع دولي، ستدفع دول الإقليم ثمنه لصالح القوى الدولية المتصارعة أمريكا وروسيا.
أنقرة باتت وسيطا استراتيجيا فائق القدرة والسرعة لمواجهة الأزمات الإقليمية واحتوائها؛ بما تحمله من قدرات فائقة تشمل التحالف والوساطة واستعادة التوازن إلى جانب الفاعلية السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ فهي محط اهتمام كل من موسكو وواشنطن وطهران والرياض بشكل يؤكد أهمية تركيا كفاعل إقليمي فائق القدرة والفاعلية السياسية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس