حسن حسن - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس

نظرا لأن هناك تحالفا من القوات العراقية والكردية يشن هجوما لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من تنظيم الدولة "داعش"، فإنه لا ينبغي أن يكون هناك شك حول ما يخطط التنظيم للقيام به. سيقاتل التنظيم حتى النهاية للدفاع عن معقله ذي القيمة الرمزية والسكانية الكبيرة. وفي النهاية فتلك مدينة الموصل حيث أعلن أبو بكر البغدادي – قائد المدينة لمدة عامين قبل أن يصير زعيما لتنظيم داعش في عام 2010- الخلافة من فوق منبر مسجد شهير يرجع إلى القرن الثاني عشر.

إذا فقد داعش الموصل، فإنه لديه خطة طوارئ واضحة المعالم، وهي الاستراتيجية التي أذيعت مرارا على منصات متعددة على مدى الأشهر الخمسة الماضية: "الانحياز" أو التراجع المؤقت إلى الصحراء.

ظهرت كلمة "انحياز" في شهر مايو/ أيار في آخر خطاب ألقاه أبو محمد العدناني، المتحدث باسم الجماعة الذي قتل في غارة جوية أمريكية في أغسطس/ آب. أوضح العدناني أن خسارة الأراضي لا تعني الهزيمة، وأن المقاتلين سيواصلون القتال حتى النهاية ثم يتراجعون إلى الصحراء، والتحضير للعودة، مثلما فعلوا بين عامي 2007-2013 .

التقطت مختلف منابر التنظيم الدولة هذا الموضوع، ونشرت مجلة النبأ التابعة لداعش مقالا عن هذا الموضوع في أغسطس، مُذكرة بمسلحي داعش في العراق الذين بقوا أحياء بعد طردهم من المدن العراقية في أعقاب زيادة عدد القوات الأمريكية عام 2007، وتمرد القبائل المعروفة باسم الصحوات.

وفي حين انسحب معظم المقاتلين، وفقا للمقال، فقد استمرت عشرات العمليات لتثير حملة من الرعب. يوضح المقال،بحق، أن حملة الجهاديين التي استمرت ست سنوات استنزفت وقسمت الجماعات السنية العراقية، الأمر الذي جعل من السهل لداعش السيطرة على المناطق السنية عندما عادت في عام 2013.

يقول المقال في تحذير منذر بالسوء مما قد يكون عليه العراق "تظهر الأحداث التاريخية أن مجاهدي داعش حرموا المرتدين من التمتع للحظة واحدة بالسلامة والأمن".

أصدرت الدولة أيضا شريط فيديو في أغسطس/آب، قيل إنه صورة في ولاية الفرات إحدى المحافظات التي أعلنت الخلافة استقلالها. وخلافا لمعظم أشرطة الفيديو التي أصدرتها داعش التي تظهر القتال في مناطق حضرية، يظهر هذا الشريط القتال في الصحراء مع لقطات للاشتباكات بالقرب من الرطبة، وهي بلدة استراتيجية في غرب العراق على الطريق الرابط بين بغداد والعاصمة الأردنية عمان. ويظهر في الفيديو مقاتلي داعش وهم يهاجمون ويستولون على معسكر تؤمنه القوات الأمريكية وقوات الحكومة العراقية.

وزعت وكالة أنباء أعماق الناطقة باسم داعش مقتطفات من الفيديو مصحوبا بعناوين باللغة الإنجليزية. وبعد أسبوعين أعادت الوكالة انتاج فيديو مماثل وتوزيعه، وقد صور في الصحراء أيضا، وينتهي بمشهد جر جثة جندي عراقي في الشارع.

وعلى غرار خطاب العدناني والمقالات عن الانحياز، تهدف هذه الأشرطة إلى إعداد مقاتلي داعش لفقدان الأراضي. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها ينبغي أن ينتبهوا أيضا

لا تقل ولاية الفرات بالنسبة لداعش أهمية عن الموصل. من أجل البقاء لفترة طويلة تتساوى أهمية الصحراء مع المدن، وولاية الفرات هي المحافظة الوحيدة التي تتقاطع فيها الحدود العراقية السورية والأراضي والمناطق النائية هي أماكن محتملة لاختباء كبار أعضاء الجماعة، وذلك إن لم يكونوا موجودين هناك بالفعل.

يرى المسؤولون العراقيون بالفعل علامات على تراجع داعش إلى الصحراء. وقال مسؤولان أمنيان في محافظة صلاح الدين شمالي بغداد، في مقابلة تليفزيونية أخيرا، إن داعش عادت إلى المناطق المحررة منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2014 ، وتجند أعضاء جددا، وتنظم عمليات الكر والفر والهجمات الانتحارية في المناطق المأهولة بالسكان. ومثلما هو الحال في شبه جزيرة سيناء في مصر، وشمال غرب الريف الباكستاني، فإن قوات الأمن المرهقة ليست قادرة على الاستمرار.

ومثلما يتذكر قادة داعش، فهذا ما حدث بعد عام 2007 ، فقد صارت الصحراء قاعدة، ولاسيما للمقاتلين الأجانب، في حين بقي العراقيون وراءها. وقد سمح وجود التنظيم في المناطق الريفية بأن ينعش التنظيم خزائنه بقطع الطريق والابتزاز. ركز المسلحون هجماتهم على أعدائهم من القبائل، وقوات الأمن العراقية وزرع الخوف وانعدام الثقة، وجعل الظروف مواتية لعودتهم بعد ست سنوات.

على أنه في هذه المرة فإن الظروف أكثر ملائمة لإعادة بناء داعش، فالعراق الآن أكثر تمزقا سياسيا واجتماعيا مما كان عليه آنذاك. ومثلما قال لي أحد العراقيين الذي شارك في مجالس الصحوات،فلا توجد جماعة سنية في العراق يمكن أن تسد الفراغ الذي تخلفه داعش. يزيد الصراع في سوريا من تعقيد الوضع: فحتى لو طُردت داعش خارج المناطق المأهولة بالسكان في كلا البلدين، فإن الحدود الصحرواية المفتوحة بين البلدين تجعل ملاحقة التنظيم صعبة.

لا يمكن كسب الحرب ضد داعش دون ملئ الفراغ السياسي والأمني الموجود الآن في كثير من أنحاء العراق. سيكون انسحاب داعش في نهاية المطاف من الموصل انتصارا تشتد حاجة البلاد إليه. ولكن ما لم تُمكن الحكومة العراقيين السنة من ملئ الفراغ، فسوف تظهر داعش مرة أخرى في الصحراء. 

عن الكاتب

حسن حسن

حسن حسن : زميل مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب" داعش: داخل جيش الإرهاب"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس