الأناضول
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، والعلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي تشهد توترا كبيرا، وصل إلى حد تبادل الانتقادات اللاذعة بين الجانبين، لاسيما بعد توقيف أنقرة مجموعة من نواب حزب الشعوب الديمقراطي لعدم احترام القانون ودعمهم لمنظمات إرهابية.
وتختلف رؤى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، تجاه الأوضاع في تركيا، فحيث تتعالى أصوات تطالب بتجميد محادثات عضوية أنقرة بالاتحاد الأوروبي، ترى أصوات أخرى ضرورة عدم غلق باب المفاوضات، وتؤيد مواصلة الحوار مع أنقرة.
وتدافع تركيا عن قضائها واستقلاله وترفض بشكل صارم تدخل أي دولة أجنبية حتى ولو كانت عضو في النادي الأوروبي، في شؤونها الداخلية.
الخبير في الشؤون التركية والأستاذ بجامعة لاسابينزا الإيطالية، فابيو غيراسي، يرى أن "الاتحاد الأوروبي يماطل ويراوغ أنقرة منذ عشر سنوات، ويتبع سياسة تتسم بالضبابية في كافة القضايا".
وأوضح غيراسي، أن هذه السياسة أدت إلى تردي العلاقات الأوروبية مع أنقرة بشكل ملحوظ عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو الماضي.
وأكد الخبير الإيطالي أن على الاتحاد الأوروبي تبني موقف جاد ومعتدل تجاه الحكومة التركية في أقرب وقت، وترميم التصدعات بينها وبين أنقرة، والتي باتت تلوح في الأفق، لاسيما في الآونة الأخيرة.
وعن كيفية تطبيق ذلك، قال غيراسي، "في رأيي القضية القبرصية تعد أبرز وسائل تحسين العلاقات بين الجانبين، وأنا على ثقة أننا سنسمع قريبا أخبارا طيبة في هذا الموضوع".
وأضاف قائلا: "ثمة بودار تسوية للأزمة بين شطري الجزيرة باتت تظهر، وهذا بالطبع سيعود بالنفع على تركيا والاتحاد الأوروبي وسيجمعهما حتما على طاولة واحدة".
وعن نظرته للشأن التركي الداخلي، أكد غيراسي أن أنقرة في أشد الحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى دستور جديد للبلاد يتسم بالقوة، ويكون قادر على صناعة حلول للمشكلات التي تعيق تقدم الدولة التركية".
وتابع غيراسي "تدور في أروقة البرلمان التركي والأحزاب السياسية هناك عديد من الجلسات والدراسات حول الدستور الجديد، لكن مع الأسف دون تحقيق نتائج، ما يسبب تفاقم كثير من الأزمات داخل البلاد وخارجها".
وأشار الأكاديمي الإيطالي أن الدولة التركية بحاجة إلى نظام رئاسي يتسم بالقوة ويحمل كافة المسؤولية السياسية للبلاد، لافتا إلى ضرورة إزالة كافة العوائق أمام هذه الخطوة.
وعن منظمة فتح الله غولن الإرهابية ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذتها قبل شهور، قال غيراسي، "أنا لست سياسيا أو رجل مخابرات لكنني كمؤرخ أريد أن أؤكد أنه "لا توجد أي حركة أو تنظيم في العالم قادر على تنفيذ ما فعله هذا الكيان، دون تلقي دعم من قوى خارجية".
وأضاف: "أثبتت تركيا شعبا وحكومة للعالم بأسره، أن زمان فرض الوصاية الخارجية على الدول قد ولى، ولم يعد بالإمكان أن تأتي مجموعة قوامها عشرات أو مئات الأشخاص لتغيير الرجال الذين اختارهم الشعب وسلمهم زمام قيادة البلاد".
وأكد غيراسي أنه بعد هذا الدرس الكبير الذي شاهده العالم، لن يجرؤ أحد على الإقدام على تنفيذ خطوات شبيهة خلال المستقبل في تركيا.
وعن موقف وسائل الإعلام الأوروبية تجاه تركيا، أوضح غيراسي أن الإعلام الغربي بجناحيه الأوروبي والأمريكي لحقت به إخفاقات كبيرة نتيجة السياسة التي يتبعها تجاه أنقرة، لاسيما بعد انكشاف وجهه الحقيقي أمام الرأي العام العالمي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
الأكاديمي الإيطالي فسَر أسباب استهداف الإعلام الغربي لتركيا، بأنها نتيجة قضايا قديمة لم يتمكن الزمان حلها بعد، وأضاف قائلا: "بعض هذه الأسباب، تستند إلى معلومات خاطئة وادعاءات غير حقيقية، فضلا عن كراهية تاريخية تجاه الأتراك لازالت موجودة داخل نفوس الدول الغربية".
من جانبه، انتقد جوزيف مفسود، الأستاذ في أكاديمية لندن الدبلوماسية، صمت الاتحاد الأوروبي تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا.
ووفقا لـ"مفسود"، فإن القارة العجوز "فضلت التريث تجاه الانقلاب في تركيا، وانتظرت رؤية إلى أي الاتجاهات سيتجه مجرى الأحداث، ومن ثم تبني موقفا يلائم الوضع الجديد".
وتابع مفسود، "كان يوم 15 يوليو الماضي اختبارا للغرب الذي روج لنفسه دائما على أنه حام للديمقراطية والحريات" وأردف: "لكنه تجاهل الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا التي كانت تكافح انقلابا غاشما".
ووصف الأكاديمي البريطاني، القارة الأوروبية بـ"المريض"، بسبب سعيها للحكم على الدول الأخرى وفقا لمعاييرها الخاصة".
وأضاف قائلا، "أبرز صور هذا المرض الأوروبي هو وصفهم الرئيس التركي أردوغان، بـ "الدكتاتور الإسلامي"، وهم يستهدفون كافة الحكومات التي لا تعجبهم، حتى ولو كانت منتخبة بطرق ديمقراطية".
ولعل قضية إعادة عقوبة الإعدام في تركيا؛ لمعاقبة المتورطين في تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة، من أبرز الموضوعات العالقة بين الجانبين.
ومنذ إثارة هذه القضية في الرأي العام التركي بعد، هدد العديد من المسؤولين بالاتحاد الأوروبي، أنقرة، بتعليق مفاوضات عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
وردا على الانتقادات الأوروبية الموجهة لبلاده في هذا الصدد، قال الرئيس أردوغان: "قلت لهم (للأوروبيين) أنتم لم تواجهوا ما واجهنا، الديمقراطية هي إرادة الشعب وإذا شاءت إرادة الشعب في تطبيق عقوبة الإعدام ووافق البرلمان عليها، فلا يحق لكم التدخل في هذا الشأن".
وتابع: "إن من يقرر هذا ليس الاتحاد الأوروبي، وإنما الشعب التركي وبرلمانه، لذا فإنه في حال اتخذ الشعب قرارًا ووافق عليه نوابه في البرلمان، فإنه لا يمكن إلا الموافقة على هذا القرار".
تجدر الإشارة إلى أن تركيا مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، ولكن لم تبدأ المفاوضات بهذا الشأن إلا في عام 2005، بعد مساعٍ حثيثة من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية في هذا المجال.
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف يوليو/تموز الماضي، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع منظمة "فتح الله غولن"، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية؛ إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن؛ ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!