خير الدين قرمان – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
لا شك أننا بحاجة أكثر إلى قراءة وفهم كل الأحداث التي تجري حولنا من أجل تجنب الوقوع في أخطاء ربما تكون كارثية علينا وعلى شعوب المنطقة، لذلك لم أشارك أولئك الذين يقللون من أهمية الربيع العربي ويشوهونه، ويعملون مع قيادات النظام العالمي الظالم، والذين يدعمون إثارة الاحتجاجات ضد الأنظمة المنتخبة.
هؤلاء هم الذين قسموا الأمة الإسلامية، وشكلوا جغرافية الشرق الأوسط وفق حدود أهدافها ومصالحها المادية فقط، ومرتبطة بمخزون الطاقة الكبير والمواد الخام الرخيصة.
يعملون على تشكيل المنطقة من أجل أن تبقى في يد الغرب، وذلك وفق تقسيمات قومية اعتمدت على تغريب قيم المجتمع في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عن طريق المدارس الغربية التي فتحت في بلاد العالم الإسلامي.
وعملوا أيضا على دعم الملوك والعساكر وما يسمى ديمقراطيات، ودعموا الديكتاتوريات من أجل إيصالهم لسدة الحكم في منطقة الشرق الأوسط، ليكونوا على استعداد للتعاون مع الغرب.
هؤلاء الحُكام لا يحترمون حقوق الإنسان، ويمنحون مقدرات بلادهم للأجنبي، وينعمون بغطاء الغرب على فسادهم. ما دفع الشعوب بالنهاية لأن ترفع رأسها وتطالب "بحقوق الإنسان والإسلام وتطالب بديمقراطيات مثل ديمقراطيات الشعوب الغربية".
قابلت معظم الديكتاتوريات تلك المطالب السلمية للشعوب بالسلاح وقتلت منهم الآلاف، مما دفع البعض للجوء إلى السلاح من أجل الدفاع عن النفس... وهذا هو الربيع العربي.
في خضم ذلك، يمكن اعتبار أن الثورة في تونس قد نجحت، وفي ليبيا انهارت الديكتاتورية على الأقل، وفي مصر كانت ستمثل نموذجا مع وصول حكومة شرعية إلى الحكم.
وكانت هذه الإدارة الجديدة ستتقدم بخطوات هامة نحو وحدة الأمة، وستُري العالم أجمع كيف ستكون المجتمعات الإسلامية وإداراتها الشرعية والمنتخبة. وكيف سيتم توزيع الثروات التي أنعم الله بها على هذه الشعوب بالعدل والمساواة.
وعندما فهم الغرب هذه التغيّرات، تحوّل إلى دعم استمرار الأسد في سوريا، ودعم انقلاب عسكري ضد السلطة الشرعية وإسقاطها في مصر، وفي ليبيا تم إنشاء التحالفات الداخلية لتوريط البلاد في الفوضى، أما في تونس فقد حُرمت السلطة الشرعية من حقها في الحكم، وفي العراق دعم الغرب التوجهات الطائفية لنوري المالكي، وبذلك تم إغراق الربيع العربي.
من الممكن أن تثمر هذه الإجراءات التي اتخذها الغرب على المدى القصير، في الضغط على طالبي الحقوق والحريات ، لكن على المدى البعيد ستكون معضلة لم يحسبوا لها حسابا.
وعلى ما يبدو فإن قسما من الشباب الذين فقدوا الأمل في رفع ظلم الأنظمة الديكتاتورية بالطرق السلمية والمشروعة فتحوا الباب أمام بعض المجموعات للنقاش حول شرعية هذه الأنظمة.
وكان لهذه المرحلة دور كبير في إنعاش "تنظيم الدول الإسلامية" المعروف إعلاميا باسم داعش، والتأثير فيه.
في ذات الوقت استغل الأكراد الفراغ الجديد الذي تركه الصراع، فانشأوا مقاطعات عرقية، وفي مقابل ذلك تم تخيير حتى أقرب المقربين من الشعب بين الهجرة أو الموت.
من جانبها أكدت تركيا على سياستها في حماية وحدة الدول، ودعم المظلومين وحقوقهم، وعدم دعم الأنظمة الظالمة وتقديم النصح لها، واحتضان الهاربين واللاجئين إليها من الموت، وشددت تركيا على أنها لن تكون أداة لسياسات الغرب الاستغلالي والذي يكيل بمكيالين في قضايا المنطقة.
مع الأسف فإن المعارضة الداخلية في تركيا -التي تعتبر في السياسة الدولية فائدة للدولة- رجحت مصالحها الذاتية وانتقدت السلطة، وقالت "ما علاقتنا بالظلم الذي تمارسه الدول الأخرى، وبالرغم من وجود هذه السلطات الظالمة لا بد لنا من دعمها والنظر إلى مصالحنا فقط".
إن أسباب ودوافع الربيع العربي، هي عدم قدرة الشعوب في تلك الدول على تحمل الظلم والظالمين المتحالفين مع السلطة الحاكمة. بينما رّوجت تلك الدول دعاية مفادها بأن تركيا هي من حركت الاحتجاجات وقدمت لهم المشورة للمحتجين، مما سيضر بتلك الدول وبمصالحها.
وفي المحصلة، يمكن القول بانه حتى تتزن الامور في الدول الإسلامية، وتكون قادرة على استغلال مواردها المادية والمعنوية، والتخلص من الاستعمار، وتحقيق الهدف الكبير بالوحدة الإسلامية فإن ذلك مرتبط بنجاح التحركات مثل الربيع العربي.
لذلك فإنه لا يمكن الوصول إلى هدف حميد مع الخائنين والغافلين من خلال التفرقة وتكفير الآخرين، وتقسيم الأمة، وترك الأعداء وقتال الأصدقاء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس