مصطفى السيد - جيرون

مع توالي انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل معظم العملات الصعبة في الآونة الأخيرة، ترتفع القدرة التنافسية للصادرات التركية بقيمة يمكن أن تكون أكثر فائدة للاقتصاد الكلي التركي.

يستفيد من هذا الانخفاض استفادة مباشرة معظم فروع الاقتصاد التركي، وعلى رأسها قطاع الزراعة والسياحة والصناعة والتجارة.

فالصادرات الزراعية التركية كسبت قدرة تنافسية تزيد كثيرًا عن قيمة انخفاض العملة التركية، لأن معظم متطلبات مداخيل الإنتاج الزراعي يتم سدادها بالليرة التركية، فيما عوائد الصادرات يجري تلقيها بالعملات الصعبة من الأسواق العالمية، وبذلك تكون الصادرات الزراعية التركية قد حققت ثلاثة مداخل إضافية للمنافسة والربح. الأول بانخفاض القيمة الفعلية لمدخلات الإنتاج لأن قيمها تسدد بالليرة التركية، والثاني من زيادة القيمة الإجمالية للصادرات الزراعية بالعملة المحلية، نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية، والثالث ازدياد القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية التركية في فتح أسواق جديدة، ما سيساهم في زيادة الصادرات الزراعية.

يساهم انخفاض قيمة الليرة تجاه العملات الرئيسية، في زيادة القدرة التنافسية لقطاع السياحة التركي، الذي يمكنه الآن الاستجابة لمتطلبات السياح بكلفة أقل على السائح، فالليلة السياحية في فندق من فئة 5 نجوم انخفضت كلفتها التشغيلية بمعدل يساوي انخفاض قيمة الليرة تجاه العملات الصعبة، مما يُحسّن من تنافسية المنتج السياحي التركي، فيما إذا خفّت الضغوط الأمنية على القطاع.

يمكن القول بأن قطاع الصناعة التركي، سيكون القطاع المستفيد الأكبر من انخفاض قيمة الليرة، لأن كلف التشغيل ومستلزمات الإنتاج تدفعان بالعملة المحلية، التي تتجه هبوطًا، فيما يرتفع العائد التصديري مع ارتفاع قيمة العملات الأجنبية تجاه العملة المحلية، ما سيساهم في زيادة القدرة التنافسية للصناعات التركية في معظم الأسواق العالمية، وسينتج عن هذا زيادة القدرة التشغيلية للاقتصاد التركي، كما سيساهم بزيادة ربحية قطاع الصناعة بشكل عام، مما سيكون له أثر في زيادة التوسع في القطاع، ما سيجذب المزيد من رؤوس الاموال الاستثمارية.

أما قطاع التجارة التركي، فان آثار انخفاض قيمة العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية، بدأت بالظهور بشكل مباشر، مما يعني تخفيض المستوردات الكمالية وزيادة الطلب على المنتج المحلي، كما استفاد قطاع التجارة من انخفاض قيمة الليرة، بتصحيح جزء مهم من اتجاهات ميزان التجارة الكلي، بانخفاض قيمة العجز، نتيجة انخفاض الواردات بشكل رئيسي، والاتجاه إلى إحلال منتجات ذات منشأ محلي للتعويض عن المنتج المستورد، وهذه المسألة ستساهم في تصحيح بنية الاقتصاد الكلي على المدى الطويل، وستنشئ مطارح استثمارية جديدة في الاقتصاد التركي  وتشير أرقام الصادرات التركية الى زيادتها بنسبة 9 بالمئة في الشهر الماضي، موازنة مع مثيله من العام الماضي.

جاءت خطوة زيادة الأجور التي أعلنت عنها الحكومة التركية، لتخفف من الآثار السلبية لانخفاض قيمة العملة المحلية على مستوى التضخم في الاقتصاد، وبخاصة للتخفيف من آثاره السلبية على الشرائح الضعيفة اقتصاديًا في المجتمع.

يحتاج الاقتصاد التركي في الفترة المقبلة، لمعالجة استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية، إلى تخفيف التجاذب بين مراكز القوى السياسية والاقتصادية، وبخاصة بين رئاسة البلاد، ورئاسة (البنك المركزي) خاصة فيما يتعلق بتقدير نتائج السياسات، وهذا يمكن التعامل معه بروح تشاركية، وذلك بتعديل وجهتي نظر الطرفين تجاه السياسة النقدية، التي يتعامل بها المركزي التركي، وتخفيف الحساسية الزائدة عند الطرفين تجاه بعضهما، وهذا يتطلب من “البنك المركزي” أن يتفهم بمرونة أكبر متطلبات مرحلة التغيرات التي يمر بها العالم، والوضع الجيو اقتصادي الجديد المطلوب لتركيا.

أخيرًا يمكن القول بوضوح: إن المؤثرات الرئيسة في اتجاه سعر العملة التركية مؤثرات سياسية، وليست مؤثرات اقتصادية بنيوية، ويبدو واضحًا أن السياسيين الأتراك ماضون في الاتجاه إلى أهدافهم، طالما أن الشعب التركي يباركها بالتصويت عليها، فكيف يمكن للسياسيين الأتراك الاستفادة سياسيًا من انخفاض قيمة العملة طالما أن الليرة التركية الضعيفة = اقتصادًا أقوى.

عن الكاتب

مصطفى السيد

كاتب صحفي متخصص بالشأن الاقتصادي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس