خير الدين قرمان – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
احتفلنا أو احتفلوا يوم أمس بعيد تأسيس الجمهورية الواحد والتسعين، وتابعت العديد من الكتابات اليمينية وأخرى يسارية حول الاحتفال بعيد الجمهورية، وأنا سأكتب اليوم حول موضوع "علاقة المسلمين بنظام الجمهورية".
من البداية سأوضح لكم حقيقة مفادها أنّ المسلمين لا يمكن أنْ يكونوا ضد نظام الجمهورية وضد الديمقراطية، لأن هذين الأمرين لا يتنافيان مع التعاليم الإسلامية.
يتمثل تعريف الجمهورية بصورة مبسطة بأنه نظام يتم فيه اختيار رئيس الدولة من قبل الشعب، ويستطيع الشعب تغيير الرئيس متى اقتضت الضرورة ذلك، أما الديمقراطية فتعني مشاركة الشعب بصورة مباشرة أو عن طريق نوابهم في حُكم البلاد.
وكلنا يعلم أنّ أول تجربة لتأسيس الدولة الإسلامية كانت من خلال اختيار رئيس لها من بين عدة مرشحين، ثم يقوم الشعب –بإرادته- بمبايعة هذا الرئيس ليحصل على الشرعية. وبعد مرور أربعين عاما على تأسيس الدولة الإسلامية، قام الأمويون بتحويل نظام الحكم إلى نظام مُلك، وهو ما كان يعارض تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان الحُكم قائما على الظلم والاضطهاد، حسبما ذكرت عديد المصادر.
الإسلام وكما يعلم الجميع، لا يقف ضد الحريات، ولا شك أنّ مشاركة الشعب في الحُكم، وحريته في اختيار رئيسه وحكومته، وكذلك مراقبة أداء الحكومة والرئيس، كلها من الأمور التي تندرج ضمن مفاهيم الإسلام العامة.
لكن ما يتعارض بشدة مع تعاليم الإسلام، وبصورة واضحة لا تدع مجالا للشك، هي العلمانية، هذه التي جاءت بسبب الظلم الذي فرضته الكنيسة على المجتمعات المسيحية، مما أدّى إلى انفصال الكنيسة عن الدولة، وكان هدفها إخراج الدولة من هيمنة ووصاية الكنيسة.
إذا استثنينا بعض الحالات الشاذة التي طبقت العلمانية بصورة متشددة، فإننا نلحظ أنّ الدول الغربية التي تفتخر بعلمانيتها، لم تتخذ الدين عدوا لها، ولم تعمل على إبعاد الناس عن دينهم ومعتقداتهم، بل إنّ الدولة هناك تحفظ حق شعبها وطلابها في دراسة العلوم الدينية بحرية مطلقة، وهذا يعني أنّ هناك تعاون ووحدة ما بين الدولة والدين.
وعند الحديث عن تركيا، فهي لم تخضع في يوم من الأيام لسيطرة الكنيسة، لأنه لا يوجد فيها كنائس فاعلة منذ تأسيس الإمبراطورية العثمانية، وبهذا لم تكتف العلمانية عندنا بقطع العلاقة بين الدين والدولة، بل إنّ الدولة أصبحت تحارب الدين الذي أصبح عدوا لها، لأنها ترى بأنه يقف ضد العلم الذي يجب أن ترتكز عليه الدولة.
رفْض المسلمين لمبدأ العلمانية ليس بسبب ما مورس ضدهم من قبل الدولة، فحتى لو تم تطبيق العلمانية بصورتها المخففة كما في الغرب، فإنّ المسلمين لن يقبلوا بذلك على الإطلاق، وشرط القبول بذلك، هو أنْ يكون مصدر التشريع هو الدين، ليراقب كل مفاصل الدولة بدءا من الحياة الاجتماعية ومرورا بالقضاء والمراقبة وغيرها.
بكل تأكيد العقل والعلم والتجربة ستكون حاضرة ضمن هذا النظام، لكن سيكون الدين هو مرشدهم، عندما ينحرفون ويخطئون ويضلون طريقهم، وهذا ما سيحمي من سقوط بعض الشباب في مستويات منحطة، وأكبر مثال على ذلك هو بعض الشباب الذين خرجوا علينا وهم يكبرون ثم يقطعون رؤوس الأبرياء.
ثم يسأل البعض أليس هؤلاء مسلمين أيضا؟ بكل تأكيد ليسوا كذلك، هؤلاء يستخدمون الدين ويعملون باسم الدين، لكنهم ليسوا من أهله، هؤلاء هبطت قيمهم وأخلاقهم إلى ما دون مستوى الحيوانات، ولا يخدعون سوى المضللين التائهين.
من يريد معرفة الإسلام على حقيقته، فليقرأ كتاب الله عز وجل، وليقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وأحاديثه الشريفة، وليقرؤوا سيرة الخلفاء الراشدين، وتاريخ الخلافة العثمانية- برغم حدوث بعض الأخطاء-.
قد يعيش المسلمون اليوم تحت أنظمة متوافقة مع الإسلام أو أنظمة أخرى غير متوافقة، لكنّ عليهم أن لا يتخلوا على وظيفتهم الأساسية، وهي التفكير والإيمان، وتمسكهم بدينهم تحت كل الظروف، ويجب أن يبقوا حماة الدين مهما كان وضعهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس