د. سمير صالحة - الجمهورية
موسكو في سوريا تقول شيئاً واحداً «أنا أو اللاحلّ»، وهي توجّه إشارات تحذير وتهديد إلى كلّ من يقف في طريقها من لاعبين محلّيين وإقليميين. تركيا أيضاً لها حصتُها في مسيرة الغضب الروسي، خصوصاً وأنّها هي من سارَع للاقتراب والتودّد والدعوة لإنهاء التوتر والقطيعة والمبادرة في الإعلان عن ضرورة فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية والإقليمية بين البلدين.
غياب الإدارة الأميركية عن المشهد السوري دفعَ مركز القرار السياسي التركي إلى الارتماء في أحضان الروس. قرار العودة الأميركية الى المشهد الإقليمي مع ترامب شجّع الأتراك على التمرّد والاعتراض والمجاهرة في رفضِ ما لا يعجبهم في مواقف الكرملين، خصوصاً في الملف السوري .
موسكو لا تتردّد في إخراج المزيد من الأرانب من القبّعة على خشبة المسرح: لا لتهميش دور الأسد، تسليح المعارضة هو الذي أوصَل البلاد الى هذه النقطة، دستور روسي لسوريا، الفدرالية أوّلاً، لا للمناطق الآمنة والعازلة هناك، تعريفات جديدة للإرهاب والإرهابي المتواجد فوق الأراضي السورية والحرب على داعش والقضاء عليها هو المختصر المفيد في العقدة والحلّ في سوريا.
الغزَل التركي الأميركي الجديد وحجم الزيارات واللقاءات الإقليمية التي كانت أنقرة مركزَ الثِقل فيها في الاسبوعين الاخيرين زاد من غضبِ الروس وانفعالهم: المعارضة السورية لم تعد تعبأ بما تقوله موسكو، خطة تحرير الرقّة ترسم بين أنقرة وواشنطن وبعض الدول العربية، تصلّب الأتراك حول عدم الدخول في أيّ نقاش جديد مع الروس قبل إنجاز المتّفَق عليه في لقاءات أنقرة وموسكو والأستانة حول وقفِ إطلاق النار الشامل في سوريا.
موسكو تعيش في هذه الآونة حالةً من التخبّط والقلق بسبب رفضِ كثيرٍ مِن اللاعبين المحليين والإقليميين الإصغاءَ إلى ما تقوله وقبول ما تريده. القلق الروسي يتحوّل إلى انفعال ثمّ إلى تهديد بغضب ساطع آتٍ، يعطي واشنطن الفرصة التي تنتظرها للانقضاض.
فشلُ اجتماعات «أستانة» الجديد، وهو حتماً سيفشل كما تقول كلّ المؤشرات، يعني عودةَ التوتر بين موسكو وأنقرة ودخول البلدين في عملية بناء وترتيب اصطفافات إقليمية ودولية جديدة.
الرسائل الروسية كانت واضحة في اليومين الأخيرين أيضاً:
• مقاتلة روسية تقلِع من قاعدة حميميم السورية لتنفّذ الأوامر الصادرة لها بمهاجمة مجموعة يُفترَض أنّها عناصر لتنظيم داعش في قلب مدينة الباب. المستهدف كان الجنود الأتراك المتواجدون في المبنى.
وموسكو لا تريد الاعتذار لأنّها تُحمّل المسؤولية لأنقرة التي زوّدتها بإحداثيات خاطئة، على رغم أنّ الأتراك رفضوا ما يقوله الكرملين جملةً وتفصيلاً.
• مجموعات تابعة للنظام السوري بالتنسيق مع قوّات حزب الله اللبناني تتقدّم إلى مدينة الباب لدخولها، وهي تعرف تماماً أنّ تركيا تفعل ذلك منذ 6 أشهر. مشروع المنطقة الآمنة وعملية درع الفرات رفضَتهما موسكو دائماً، وهي تتحرّك كما يبدو لترجمة ذلك عملياً على الأرض.
- إعلان موسكو أنّها بدأت تتحرّك لتوحيد أكراد المنطقة المنتشرين في 4 دول أساسية لناحية الإصغاء إلى مطالبهم، وفي مقدّمة المدعوّين حزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا الذي تصفه تركيا بالتنظيم الإرهابي، مع تغييب كامل مقصود لقيادات كردية سوريّة مقرّبة من تركيا وتجاهل مسعود البرزاني حليفها في شمال العراق. أكراد تركيا سيمثّلهم عثمان بايدمير من حزب الشعوب الديمقراطي المعارض.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يتأخّر أبداً في صبِّ الزيت فوق نار التوتر التركي الروسي. هو يعلن أنّ إدارته ستدعم خطة المناطق الآمنة في سوريا، ليفرح الأتراك ويخيّب آمال الروس.
لكنّ موسكو تملك أوراقاً كثيرة لإقناع أنقرة أو الضغط عليها أو لتذكيرها بما فعلته واشنطن معها، حيث لم تعطِها ما تريده لناحية تسليم فتح الله غولن المتّهم الأوّل بتنفيذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهي كذلك تتمسّك بتسليح قوات صالح مسلم الكردية في شمال سوريا.
المهم بعد الآن أن لا تفقد موسكو أعصابَها بسبب هذا الغزل التركي الأميركي، وأن يعرف الرئيس بوتين أنّ الجوار الجغرافي والمصالح الاقتصادية والضربات الموجعة التي تلقّتها أنقرة بسبب أخطاء ومواقف الإدارة الأميركية حيالها في العامين الأخيرين لن تبعدها كثيراً عنه. صبر بعض الصبر وهدوء الأعصاب وعدم التلويح بأوراق خاسرة تزيد الأمور تعقيداً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس